ماذا عندما تسقط رميش وترتقي الهبارية؟

ربما كانت صدفة، تزامن ضجيج حادثة بلدة رميش مع قصف بلدة الهبارية في جنوب لبنان، مناسبة للمقارنة بين وجهين من البيئة الجنوبية، واحدة صامدة وداعمة، وأخرى تحاول التفلت من الاجماع الجنوبي الوطني، وان لا تتعظ من تاريخ مرحلة سبقت من أيام الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وزمن الشريط الحدودي التي استمر محتلا، حتى حررته المقاومة عام 2000، دون أي مس منها بالمتعاملين الذين لم يفروا مع العدو، ليحاسبهم القانون اللبناني، وفد كان “رؤوفاً جداً”
في تفاصيل ما حدث في رميش، ان أحد الشبان شاهد سيارتين للمقاومة في أحد احياء البلدة، فاعتقد انهما يهدفان الى نصب صواريخ وسط البلدة، لمهاجمة مواقع مواجهة للعدو، وإذ أدى الأمر لجدال وغادرت على أثره السيارات، لتبين من الصور، انه يستحيل ان تحمل سيارات صغيرة، صواريخ، واكد ذلك البيان الذي أصدرته المقاومة لاحقاً ونفت فيه هذه المزاعم
لكن سرعان ما أدت التوجيهات السياسية من خارج البلدة من قبل حزبي”الكتائب” و”القوات” الى دفع بعض الشباب الى قرع الاجراس والى “دب الصوت”، كما يقال في القرى لمواجهة ما دعوه احباط خطط المقاومة في توريط البلدات المصنفة ب “مسيحية” في مخاطر الحرب!!كما سارعت وسائل التواصل الاجتماعي الى رمي الاتهامات والمزاعم المشوهة لدور المقاومة، وصولاً الى استصراح المنصات لرئيس البلدية، الذي ابدى تخوفه من تدمير البلدة ولكنه في الوقت عينه كان محاذراً من اتهام المقاومة، و معتبرا ان الدافع هو الحرص على البلدة وسكانها وابعادها عن التعرض لنيران الغارات من العدو .في المقابل كان حاسماً كلام رئيس بلدة جدرا الجنوبية “المسيحية ” المونسنيور جوزيف قزي، الذي كان ردّ قبل أيام على مزاعم العدو عن وجود منصات للصواريخ داخل الاحياء، ووصفه بأنه مضلل وخبيث .
اما في الهبارية، وبعد ساعات معدودة ليلاً كانت مسيرات العدو الإسرائيلي تغير على مقر “جمعية الإسعاف اللبنانية” في البلدة، فتدمره وتقتل من فيه فأرتقى سبعة شهداء كانوا يقومون بواجبهم الإنساني، ليذكرنا ذلك بما يفعله العدو في غزة بالطواقم الطبية والمستشفيات والمستوصفات والدفاع المدني، من المستشفى المعمداني الى مستشفى الشفاء مؤخراً، حيث لا تلجمه قوانين ولا تردعه اعراف حروب، فإنسانيته معدومة.
وكان التشييع للشهداء، مسيرة دعم لفلسطين والمقاومة وتأكيد من اهل الهبارية على المزيد من الالتزام مع فلسطين وأهل غزة
حدثان يضعاننا امام استحقاق لابد منه، وهو قراءة الواقع القائم في البلد، وحالة التجاذب السياسي السائدة بعدما استطاعت المقاومة ان تأخذ زمام المبادرة على ارض الجنوب، رغم كل الضغوط الدولية على الإدارة اللبنانية، ورغم الواقع الاقتصادي وضعف الإمكانيات العسكرية للدولة اللبنانية، كان خيار المقاومة ان تكون مساندة لغزة ولفلسطين متخطية واقع الضعف ومتنقلة من واقع المتلقي والمنتظر للهجوم، الذي تهدد به دولة الاحتلال لبنان، الى موقع المهاجم والمدافع في آن.
ستة أشهر او حرب الفصول الثلاثة الى الآن (خريف وشتاء وها الربيع أتى) والجبهة مشتعلة، والمقاومة المساندة لا زالت تمسك زمام المبادرة، ولا زال التوازن قائماً ولو زعزعته قيادات العدو مراراً، ان في مجدل سلم او النبطية او اليازورية وقرى الجنوب كافة امتداداً الى الغازية.. الخ في استهداف المدنيين، فما زالت المقاومة ترد الصاع صاعين وتظهر امكانياتها المسلحة شيئاً فشيئاً من خلال اتباع سياسة “الغموض البناء” من الكورنيت الى البركان الى سلاح الأرض الجو الذي أظهرت بعضاً منه
لقد تخطى عدد الشهداء في لبنان الثلاثمائة، ولا زال نبض المقاومة في الجنوب قوياً ولا زالت مواكب التشييع تملاً ساحات قرى المواجهة، كما نبض اهل غزة، الصامدين رغم الموت، الصابرين رغم الجوع والتحديات، يريدهم العدو ان يغادوا شمال غزة ولكنهم يصرون على البقاء يريد العدو إبادة وتدمير رفح، وها هو يحرك اليوم عليهم أسلحته المدمرة التي يرفدها به الغرب ، وسط صمت العالم العربي ودوله عن مجزرة جديدة تحضر، واهل غزة يستصرخون ضمائر العالم ولكنهم لا يتزحزحون ولا يكشفون انفاقهم بينما تسقط دولة الاحتلال سقوطا مدوي يتحدث عنه مفكريها انفسهم ،فيما لم تستطع لا انقاذ اسراها ولا إرضاء شعبها الغاضب على قيادته والرافض لاستمرار حرب لم يحصد منها الا اللعنة والهجرة العكسية القادمة حكما .
واضح ان العدوان على غزة، الصهيوني أميركي، لم ينجز الا تدمير غزة وتدمير أي غد واضح المعالم لإنهاء هذه الحرب بعدما بدأت تظهر واضحة مشاريع الغرب ومطامعه ببحر غزة الغني بالثروات، ولو بمزاعم تقديم الغذاء والمعونات، لأهل غزة المحاصرين بقرار الإبادة ،والامر لا ينطلي على احد ، اذ يكفي وقف تسليح “الإسرائيلي”، فيوقف حربه ولكنها لا تفعل الا تقطيع الوقت، تارة من خلال قرارات الأمم المتحدة،(2728) الأخير، الذي رفضته واشنطن دون ان تستعمل الفيتو ولكنه ليس ملزماً، كما قرار الإدانة لمحكمة العدل الدولية الذي أصرت على اقراره دولة جنوب افريقيا. ولكن لا شيء يوقف هذا الكيان عن همجية وعن مجازره، وبالمقابل لا زالت قوة المقاومة في غزة تمنع جيش العدو من التقاط أنفاسه، او الاستقرار في مواقعه، ولا زالت خسائره لا تحصى، وتخضع للتكتم الحربي الذي تعتمده وسائل اعلام العدو.
خلاصة المقارنة امران ؛الأول انه لم تعد معادلة الضعف والاستجداء و ” قوة لبنان في ضعفه “هي التي تتحكم بالسياسة اليوم، بل ان القوة هي وحدها المعيار ،الخلاصة الثانية، وما يعد للمنطقة يفرض علينا ان نكون امام معادلة وحيدة او نكون مع لبنان بجميع مواطنيه، او نكون مجرد قرى ومجموعات طائفية، والحل واحد لهذا اللبنان هو “يفنى بالطائفية ويحيا بالإخاء القومي” وابلغ قولين في الطائفية اذا ما استمرت تتحكم بمساره ،هو ما حذر منه معلمنا سعادة ان “الطائفية لعنة الأمة”، دون ان ننسى ما قاله جبران خليل جبران “ويل لأمة كل طائفة فيها امة”
ليكن ويلنا على عدونا، وليكن خيارنا الوحيد جميعا ان نكون داعمين لقوة لبنان الحقيقة ذلك، وان نكون في موقف موحد لا يتزعزع، حماة لظهر المقاومة فقد اثبت تاريخ العلاقة مع هذا العدو انه لا يؤتمن لا على ارض او شرف وان لا رادع له الا قوتنا وفعل انتمائنا للوطن لا غير

رئيسة التحرير