لم يمر المؤتمر الذي عُقد في قصر الأونيسكو بذكرى توقيع اتفاق الطائف على خير لدى آل الحريري، إذ أنّ تغيّب ورثة الراحل رفيق الحريري عن الدعوة والحضور كان له أثرًا كبيرًا لدى العائلة. يدرك هؤلاء تمامًا أن العلاقة بين رئيس الحكومة السابق سعد الحريري والقيادة السعودية منقطعة بشكل تام بعد رفض ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لكل الوساطات العربية والفرنسية التي أُجريت في هذا الإطار. ولكن ما كان مفاجئًا أن السفارة السعودية تعمدت عدم دعوة أي من رموز العائلة لإحياء ذكرى مؤتمر كان عرّابه بوكالة سعودية خالصة الرئيس رفيق الحريري بمن فيهم السيدة بهية الحريري، وكأن هناك من يريد القول أن العام 1990 شهد ولادة الحريرية السياسية في مدينة الطائف بقرارٍ سعودي، وعام 2022 شهد الأحد إعلان القضاء على الحريرية السياسية في بيروت بقرارٍ سعودي أيضًا.
في المعلومات، فإن سفير المملكة في بيروت وليد البخاري يرفض أسئلة زوّاره عن تبدّل موقف بلاده من سعد الحريري، أيًّا كانوا وأيًّا كان مستواهم السياسي وحجم حضورهم وتمثيلهم. حتى أنّه في إحدى المرّات أسرّ مسؤول سعودي رفيع تواجد في بيروت لمرجعية سياسية مقربة من السعودية، أنّ المملكة قرّرت محو تيار المستقبل بشكل كلي. هذا الواقع تجسّد في مؤتمر غاب عنه ورثة عرّابه وجلس قرب السفير على المسرح خليل العائلة فؤاد السنيورة، وهو الذي سعى في الانتخابات الماضية لوراثة الحالة الشعبية واستمالتها، ولم ينجح بإيصال أي من مرشحيه. إضافة إلى السنيورة جلس حليف آل الحريري التاريخي وليد جنبلاط، محاضرًا باللبنانيين ومنظّرًا في تطبيق ما فشل هو وأقرانه بفعله منذ التسعينيات وحتى اليوم. حضور النادي السياسي التقليدي، دون حزب الله وهو أمر بديهي، أرادت السعودية إيصال رسالة منه تقول أن الحريرية باتت خارج اللعبة.
هذا وتداول الحضور أن عمّة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، بهية، كانت قد اعتذرت عن تلبية الدعوة، لكن تفيد المعلومات أن السفارة لم توجه لها أي دعوة في هذا الإطار، لا سيما بعدما تبيّن أنها اصطحبت ابنها نادر بزيارة لإحدى الدول الخليجية بحثًا عن دعم وتمويل لتأسيس تيار سياسي يرث حالة المستقبل، إلّا أنها جوبهت بالرفض وتُبعت بتقرير وصل للقيادة السعودية حول رغبة هؤلاء بنقل شارع المستقبل من المرجعية السعودية نحو مرجعية دولة أخرى!
تأتي خطوة السفارة كخطوة لاحقة لما قام به المفتي عبد اللطيف دريان الذي سبق ودعا للقاء سياسي مذهبي هو الأوّل من نوعه في دار الإفتاء محاولًا تكريس نفسه كمرجعية سياسية طائفية بعد أن عملت قوى السلطة مجتمعة خلال سنوات على تكريس آل الحريري على رأس زعامة هذه الحالة. لا يختلف اثنان أن خطوة المفتي تلك لم تكن يتيمة الأم، بل أتت برعاية سعودية كبيرة تبعها حفل غداء في دارة بخاري!
من الواضح أن السعودية تقصّدت عدم ايجاد بديل لسعد الحريري في الانتخابات الماضية، ومن الواضح أنها لا تثق أن فؤاد السنيورة بمقدوره أن يقود الشارع في مثل هذه الظروف، ولكن ما بات يقينًا أن اقصاء سعد الحريري، ورفض وجود بهية وابنها نادر على رأس تيار سياسي، وعدم دعم محاولات بهاء الانتخابية يعني أمرًا واحدًا: السعودية قررت القضاء على آل الحريري.