جبهة جنوب لبنان والمقاومة بين نار العدو وضلال في الداخل

فيما تقاتل المقاومة في جنوب لبنان وعلى مدى أربعة أشهر من مساندة فعالة لجنوب الجنوب في معركتها نحو القدس، وحافظة لبيروت فخرها وعزها، بمقاومة منتصرة دوماً على الاستسلام، وهذا أحد أسباب التحريض على النيل منها والتأثير على سياقها في الخطوط الخلفية للجبهة.
أهم إنجازات معركة المقاومة اليوم داخلياً، أنها استطاعت أن توحد اللبنانيين خلفها من كل المذاهب بعدما أصبحت القدس قبلة وشعار هذه الحرب، دون أن نغفل بعض الآراء المخالفة في بلد متعدد الولاءات والمشارب والطوائف، وفي مسعى دائم من البعض لاسترضاء الولايات المتحدة الأميركية وأصدقاؤها، وهم حماة كيان العدو وداعميه الذين قدموا له المساندة السياسية والعسكرية سواء، ولو على حساب تعاطف شعوبهم مع أهل غزة رغما عن اهداف حكوماتهم.
إن قراءة واقع الخطوط الخلفية للمقاومة تستدعي معالجة ما يعتريها من ضعف، قد يؤدي بها إلى نتائج لا ترغبها المقاومة ولا حزبنا المقاوم والمتحالف معها، لأنها تعني استعادة الأرض ووقف سياق التطبيع الذي إذا ما استمر سيؤدي حكماً إلى إنهاء مسألة فلسطين وتداعياتها السياسية والبشرية على دول الطوق والكيانات السورية تحديداً وخاصة قانون حق العودة.
من المفيد الإشارة أن طبيعة علاقة هذا الكيان مع بلادنا، منذ تأسيسه عام 1948 إلى اليوم، استمرت في حال من التوتر والحروب. وإن حالة الردع لم تحصل إلا عندما استطاعت المقاومة وقفه، مما أعاد للجنوب اللبناني إعادة إعماره واستقرار أهله وهم الذين لطالما تاقوا إليه.
دفعت المقاومة في معركتها الآن الثمن الغالي من أبناء الجنوب، وقد بلغ نحو المئتي شهيد من أفضل الشباب وذوي الكفاءة الأكاديمية والعلمية الواعدة. وبالطبع هذا لا يذكر أمام الإبادة الجارية إلى الآن في غزة، ولكنه ثمن هدفه حماية الأرض وصون البلاد ووقف صلف الاحتلال وجبروته، وهو يستمر في التهديد والوعيد بأنه حالما ينتهي من غزة ستكون وجهته الشمال أي جنوب لبنان بقصد تدمير كل لبنان!
خلف ظهر المقاومة، بلد منقسم على نفسه عامودياً وافقياً، غارق في خلافاته وانهيارات دولته إلى حد تماهي بعض شخصياته مع مواقف الإرادات الخارجية تماهياً كاملاً.
برز ذلك بوضوح من خلال تناقض مواقف البطريرك الراعي. فهي خلال تفقد الرعية في صور إيجابية، ولكنها في عظات الآحاد بمثابة رحلة الألف ميل التي تبدأ بخطوة ولكن لصالح العدو وواشنطن التي تراقب بدقة كما يبدو مواقف الداخل كما حال الجبهة على السواء.
إن المواقف السلبية من المقاومة تظهر ملياً مدى الميل إلى سياسة “قوة لبنان في ضعفه”، ولو كانت بعنوان تسليم الحدود للجيش، الذي لا يغفل عن بال الجميع حجم مقدرته وواقع عدم تسليحه وطبيعة تعاطي الغرب مع أي كلام عن تسليحه من خارج منظومته.
وإن تباري بعض السياسيين من فريق البطريرك الراعي، أو الياس عودة أيضاً، إلى تعزيز لغة التحريض من فريق من اللبنانيين ضد فريق آخر سبق له ودفع ثمن سياسة الضعف في أرواح عائلاته وأرزاقه وبيوته، بينما استطاع بالقوة التي يملكها اليوم أن يكون مدافعاً صلباً عن لبنان وخياراته وثرواته وواقعه.
إن هذا يقودنا إلى كيفية تعاطي الإعلام بهذا الموضوع، حيث يقوم بمعظمه بدور تهويلي على اللبنانيين، يلتقي مباشرة مع تهويل العدو نفسه. وهو يلجأ إلى هذه الوسيلة لنزع الثقة بالمقاومة، بعدما أدرك ملياً حجم قوتها وتأثيرها والتي جربها على المستوطنات في الشمال، والتي باتت اليوم شغل العدو الشاغل لما تركته من تأثير على وضعها الاجتماعي والاقتصادي.
إن إصرار لبنان من خلال فريق منه أن يكون خاصرة رخوة لمقاومته، زاعماً أن الحل هو بإلزام لبنان بتنفيذ القرار الأممي 1701، دون السؤال عن مدى التزام العدو بتنفيذ القرارات الدولية والتجربة التاريخية مع قرارات سابقة، هي أكبر برهان.
إن المطلوب اليوم هو توحيد الرؤية تجاه المخاطر التي يتعرض لها البلد حالياً ومستقبلاً في القريب العاجل، حيث ترسم دوائر القرار في العالم مشاريعها.
أولاً: من خلال الاتفاق على، صياغة النظام السياسي المرجو أو الدفع إلى استقرار مع تعديلات ضرورية تكفل ترتيب الواقع الاقتصادي وكذلك البنيوي، ثم الضغط باتجاه وقف الحصار على الجمهورية السورية وهي حدود لبنان البرية الوحيدة، وعمق هذا الكيان وتداعيات هذا الحصار كبيرة على لبنان من خلال موضوع النزوح واستمراره ومن هنا تبدأ معالجته العميقة.
ثانياً: إن السياسة القائمة تؤدي إلى ربط علاقة عداء فئة من شعبنا مع العدو، والخروج عن الإجماع الوطني بالعداء دون وعي مخاطر ذلك، سيؤدي إلى انقسام تستفيد منه دولة العدو وحدها وخاصة في هذه المرحلة. وإن عودة البعض إلى التغني ببطولات زائفة لمشروع عمالة انقضت، لا يمكن التعمية عليه “بالهوبرة” الجارية، لأن مشاريع تلك المرحلة قد انقضت إلى غير رجعة، ولم يعد لها موطئ قدم مطلقاً.
ثالثاً: إن استمرار نهج تجاهل الحلول للوضع الاقتصادي والذي تجلى في “موازنة جباية الضرائب” من جيوب المكلفين العاجزين وبعد دولرتها، هو دفع للمزيد من خيارات سياسية أثبتت عجزها ولا بد من طرق أبواب أخرى تحتاج بالتأكيد إلى تفاهم أوسع بين أبناء البلاد.
إن بلداً قوياً بالدفاع عن نفسه هو بلد قادر على استنهاض مؤسسات الدولة، واستعادة أبنائه من خيار الهجرة، لأن القوة هي القول الفصل في إقرار الحق.