الاحتلال المدني.. في ذكرى الربيع العربي

الاحتلال المدني، كتاب صدر عن دار سما في القاهرة للباحث عمرو عمار، يلخص ويكثف أبرز علامات ووظائف وقاموس الجماعات والمراكز التي تعمل باسم الخطاب المدني (الدولة – المجتمع – التحالف.. الخ).
ويقارب الكتاب موضوعه من زاوية الاجندة الخارجية لأقلام الاستخبارات الغربية (الامريكية والبريطانية والفرنسية) ودورها في انتاج هذه الظاهرة والاهداف الخفية لها، سواء من حيث اعتراض خطاب التحرر الوطني او من حيث المساهمة الى جانب جماعات الاسلام السياسي الامريكي في اطلاق الفوضى الهدامة، باسم استبدال انظمة الحرس البيروقراطي (القديم) بأنظمة الحرس الليبرالي الجديد، كبديل لقوى التحرر الوطني ولبرامج تعزيز القطاع العام وفك التبعية والدعم الحكومي للسلع والخدمات الاساسية ،وكذلك الحفاظ على السياسات الوطنية المناهضة للمتروبولات الرأسمالية وللاحتلال الصهيوني.
ومن الشهادات التي يقدمها الكتاب على هذا الصعيد:

شهادة المؤرخ والصحفي الأمريكي، ويستلر تاريلي الذي قال أن ما حدث ليس ثورات بل زعزعة الاستقرار، تحضيرا لخرائط جديدة برعاية المخابرات الخارجية لأمريكا وبريطانيا وفرنسا.

اعترافات مماثلة لمدير المخابرات الأمريكية، الاسبق جيمس وولز ولضابط المخابرات الأمريكية الأسبق روبرت باير الذي دعا لإشاعة المناخات الطائفية بين الشيعة والسنة.

اعترافات المحلل الأمريكي، ديفيد كابلان، في كتابه (حروب الجيل الرابع) الذي دعا إلى الاعتماد على تركيا وقطر وعلى خليط من الإسلاميين والليبراليين.
يعتبر الكتاب جماعات الخطاب والتحالف المدني وحقوق الإنسان (من الزاوية الليبرالية) بمثابة الجيل الثالث أو الموجة الثالثة للغزو الاستعماري بعد الغزو الأول العسكري، والثاني الاقتصادي. وفيما استهدف الغزو الأول والثاني تكريس السيطرة والهيمنة الرأسمالية عبر تكريس الأنظمة التابعة المعروفة، فإن الغزو الثالث باعتماده جماعات التحالف المدني يستهدف تفكيك الدول القائمة واستبدالها بحالات (محلية) لا مكان فيها للسيادة ومنها فكرة الأرض والهوية الوطنية لصالح فكرة الجغرافيا والسكان كما تتحرك في فضاء كانتوني من الجزر المتناثرة باسم حقوق الإنسان وتمكين النساء.
والأخطر، خلط الأوراق والتناقضات في الصراع العربي – الصهيوني، واستبدال التحرر والكفاح المسلح باستعارات وقياسات عن الكفاح اللاعنفي في تجارب أخرى واختلاق (جبهة عربية- إسرائيلية مدنية) ضد جبهة عربية – إسرائيلية (شمولية).
وإغراق العرب في جدل عقيم حول ما يعرف بحل الدولة الواحدة والدولتين.
وبين مشاريع التقسيم والكانتونية الأمريكية كما أطلقها برنار لويس ومجلة كيفونيم 1982/1983 وبين أدواتها العربية من جماعات الإسلام الأمريكي وجماعات التحالف المدني، يورد الكتاب بالوثائق أخطر المراكز التي تتولى ذلك ودور اليهود في هذه الاستراتيجية، مثل جورج سوروس ونوح فيلدمان وجين شارب وبيتر اكرمان وروبرت ساتلوف وبرنار لويس وبرنار ليفي وغيرهم.
وذلك بالإضافة لمراكز عربية وإقليمية في العاصمتين القطرية والتركية، أما أبرز المراكز المذكورة فهي:
1- المجتمع المفتوح برئاسة اليهودي الأمريكي جورج سوروس، وهو مركز مهتم بالإسلام السياسي على الطريقة التركية – الأمريكية، وبما يسميه (بالأقليات) ويربط الحريات السياسية والصحفية بحرية الأسواق.
2- نيد (NED) أو صندوق الوقف الأمريكي لدعم الحرية، وتأسس 1983 على يد اليهودي الأمريكي الن واينشتاين، صاحب التصريح الشهير “ما نقوم به اليوم علنا هو ما كانت تقوم به حكومتنا سرا”، من قياداته الحالية اليهودي الأمريكي روبرت ساتلوف، وزلماي خليل الذي برز خلال الاحتلال الأمريكي للعراق وقبلها افغانستان، ومن زبائنه العرب مركز ابن خلدون المصري (سعد الدين ابراهيم) الذي زار تل أبيب أكثر من مرة والذي يعد من أبرز قيادات التحالف المدني العربي، والمنظمة المصرية لحقوق الانسان برئاسة هشام قاسم، وجماعات أخرى في الأردن وتونس والبحرين ولبنان والضفة الغربية.
3- بيت الحرية (فريدوم هاوس) وقد ضم مجلس الأمناء التابع على مدار سنوات تأسيسه أخطر مهندسي العدوان الأمريكي على العراق، مثل رامسفيلد وبول وولفتر وبريجنسكي وجيمس وولز (مدير سابق للمخابرات الأمريكية) ومن دوره في اختراع مشروع مارشال لإنقاذ أوروبا من الشيوعية بعد الحرب العالمية الثانية إلى إثارة القلاقل وتجنيد المنشقين في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية أيام المعسكر الاشتراكي، إلى ربيع براغ والثورات البرتقالية والربيع العربي.
4- معهد ألبرت اينشتاين، وقد أسسه عدد من اليهود الأمريكان، أبرزهم جين شارب وبيتر اكرمان، وقد راحا باسم الكفاح اللاعنفي يزوران تجربة غاندي ويصرفان انتباه الشعوب المستعمرة أو المبتلاه بغزو استيطاني مثل الشعب الفلسطيني، عن تحديد التناقض الرئيسي وما تستدعيه من كفاح مسلح واستبداله بالانخراط في (تحالفات مدنية) مع أوساط من الغزاة والمحتلين الراغبين بالبقاء دون مضايقات عنيفة.
5- مؤسسة صابان (نسبة إلى مؤسسها يهودي أمريكي من أصل مصري) من أصدقاء شمعون بيريز ومردوخ، وصاحب فكرة (صراع الديوك) وهو برنامج تلفزيوني أعادت الجزيرة فكرته باسم (الاتجاه المعاكس).
6- مؤسسة راند، التي أسسها ضابط المخابرات الامريكية الأسبق، غراهام فولر وتهتم برعاية الإسلام السياسي (الليبرالي) وتغيير المناهج وتأسيس الأكاديميات الخاصة بإعداد المعلمين.
7- معاهد اكاديمية سياسية مثل كارينجي وبروكينز.
8- جماعات مثل (الاتبور) لإعداد الشابات والشباب وتدريبهم على الثورات البرتقالية كما حدث في مصر والأردن وتونس، ومثل حركة موفمنتس (MOVEMENTS) التي أسسها اليهودي الأمريكي جاويد كوهين.
9- شركات ذات صلة مرتبطة بالدوائر الاستخباراتية مثل ساتشي اند شاتشي التي أشرفت على المظاهرات المناهضة لسوريا في لبنان، وهي شركة بريطانية ليهود من أصل عراقي، ومثل شركة يعقوب شيميل ومن زبائنها المحاسب الداعية عمرو خالد، وهي شركة محاسبة يهودية – بريطانية عنوانها الظاهري (تطوير برامج الأسرة).
ويشار هنا إلى العديد من الشركات التي تعمل في قطاع المحاسبة الدولية التي خرجت (فوجا) من الرؤساء والزعماء المنخرطين في الثورات البرتقالية وما يشبهها، مثل السنيورة وغول وعدد من وزراء حكومة مرسي.
10- مراكز الجوائز الدولية في حقول حقوق الإنسان والعلوم والآداب، التي كانت تشكل لجان التحكيم وفق أجندة سياسية في كل مرة تهتم بدولة أو جماعة معينة ولا يقتصر الأمر على الأوساط المعروفة في جائزة نوبل التي منحت الجائزة لمهندسي الليبرالية الجديدة مثل ميلتون فريدمان وفون هايك أو لناشطات أو نشطاء برتقاليين، فهناك أيضا جوائز مثل جائزة راخاروف وهو منشق يهودي روسي من مهندسي الهجرة اليهودية الروسية إلى فلسطين، وقد منحت للمصرية أسماء محفوظ والسوري علي فرزات.
ويشار هنا أيضا إلى كتاب البريطانية سوندرز (من يدفع للزمار، الحرب على الجبهة الثقافية) الذي يفضح المناخات الثقافية الفاسدة وكيفية التركيز على مثقفين يساريين كبار وتجنيدهم باسم نقد الشمولية.
11- المؤتمرات الدولية للمؤسسات الاقتصادية والإعلامية الكبرى ودورها في تمويل المنابر الإعلامية والجماعات البرتقالية ومراكز الأبحاث ذات الصلة والناشطة باسم حقوق الإنسان وتمكين النساء وتغيير المناهج وإعادة هيكلة الاقتصاد والجيوش لتناسب الأسواق والمصالح الرأسمالية، ومنها هيئات ومؤتمرات دافوس والبيلدر بيرغ والبنك وصندوق النقد الدوليين، والتي تحظى جميعها برعاية البيوتات اليهودية المالية والإعلامية.
12- المجموعات السياسية مثل المجموعة الدولية للأزمات التي تتلقى تمويلها من سوروس ونيد وفورد فاونديشن وكارينجي وغيرها، والتي ضمت على مدار تأسيسها أسماء مثل كيسنجر وبريجنسكي، وارميتاج وسوروس واليهودي شلومو بن عامي وشمعون بيريز والعديد من (العرب).
13- على الصعيد الاقليمي والعربي، نجد أن تركيا وقطر تحتلان مركز ملحوظا في مجمل الخارطة السابق، فما يذكره كتاب الاحتلال المدني أن منظمة الخدمة التي يرأسها فتح الله كولان (جولان أو غولان) هي العباءة التي خرج منها أردوغان ومعظم قادة حزب العدالة والتنمية الذين درسوا في مدارسها وكلياتها قبل أن يختلف بعضهم معها اختلاف تلاميذ مع معلمهم ويذكر الكتاب أن المنظمة ترعرعت بدعم المخابرات الأمريكية وتغطيتها لغسيل العملة وأموال المخدرات.
أما قطر فهي المركز والممول الإقليمي للعديد من الهيئات السابقة بفرعيها، الإسلام السياسي وجماعات التحالف المدني، فبالإضافة للفضائية المعروفة التي تأسست لهذه الغاية، حسب الكتاب، فالدوحة مركز لمؤسسة راند (التي تهتم بالإسلام السياسي والمناهج) ولصابان ومنتدى المستقبل ومعهد بروكينجز حيث افتتح المقر بحضور مارت انديك (أمريكي متصهين معاد للعرب) بالإضافة لمشروع النهضة بزعامة الإخواني القطري جاسم سلطان والشنقيطي (من موريتانيا) كما بالإضافة لأكاديمية التغيير برئاسة هشام مرسي (زوج ابنة القرضاوي) ولسلسلة الدوريات التي يشرف عليها عزمي بشارة بهدف اجتذاب أكبر عدد من الباحثين العرب وتوظيفهم في الاستراتيجية العامة للاحتلال المدني ومناخاته.