في معجم مختار الاصحاح، الطبع هو سجية جبل عليها الإنسان، وفي معجم الوسيط، تطبّع بكذا أي تخلّق به. والتطبيع بمعناه السياسي هو إنشاء نموذج يعتبر مثالي لواضعه ويتوافق مع النتيجة المتوخاة، والهدف هو تطبيع العقل على مفاهيم ثقافية اجتماعية دينية اقتصادية مرسومة المسار لتؤدي لهدف محدد واضح، وكل من يخرج عن هذا الهدف يعتبر شاذ على المعايير الاجتماعية التي ضبطها برنامج التطبيع، مما يعني إبطال دور العقل وتعطيل مصلحة العامة لصالح السلطة وخروج المجتمع عن مصلحته وعن سنّة التطور وعن السياق الحياتي للأمة وتفاعلها الطبيعي في اتجاه الارتقاء.
والتطبيع قمع وترهيب وتعطيل العقل الإنساني بسبب قيام السلطة بصياغة مفاهيم وقوانين تؤطر العقل والتفكير، وتوجيه الحركة الثقافية والإعلامية قهرًا نحو أهداف الرأي السياسي للحاكم المتسلط بحيث يجرد الشعب من حقوقه السياسية والمدنية ومن حقوقه القومية، ومحاولة خبيثة لمسح وعيه لهويته القومية والوطنية ومحو تاريخه وذاكرته الاجتماعية. وهذا ما تحاول فعله السلطات المستبدة في بعض الكيانات السورية والعربية لتجميل المشروع اليهودي الاحتلالي في فلسطين وكل سورية والمنطقة العربية، وإجبار السوري على الاقتناع بهذا المشروع في محاولة قذرة أن تجعل من السوري يتنكر لشخصيته وحقيقته القومية والنظم الطبيعية لمجرى حياته وارتقائه الإنساني والدفع به عنوة وراء المصالح الغربية – اليهودية، خلافًا للطبيعة وللسنن الطبيعية والحقائق التاريخية والإنسانية، وإلزامه التطبع بالباطل. وفي المقابل، اليهودي على سجيته المتوحشة، متشبّث بيهوديته الوهمية المجرمة ويعمّقها في وعي تعاقب أجياله، وعلينا تقبل احتلال أرضنا وقتل شعبنا والتسامح معه ليتمدّد في كل سورية والمنطقة إنفاذًا للوعد اليهوهي المزعوم.
التطبيع عبر الأديان
لقد تسلّل النفوذ اليهودي الى أعلى المراجع المسيحية، ونجحوا في إصدار وصية بابوية أن تقرأ العائلات المسيحية التوراة باستقامة وتقديس، وكثير من السوريين المسيحيين وغيرهم يقرأون التوراة اليهودية بتقديس، وهذه محاولة اليهود الجديدة للاستيلاء على ديارهم وأموالهم، ويتقبّلون ذلك بتسليم كلي “لأحكام الله ومشيئته”. وقد نجح اليهود عند كثير من أصحاب السلطة والحكم عند المحمديين في فرض الاتفاقيات الإبراهيمية نسبة الى إبراهيم أبي الأنبياء كون المحمدية والمسيحية و “اليهودية الخداعة” ديانات سماوية توحيدية، وعليه سوف يرى المحمديون شرعية وجود اليهود في فلسطين ولا ضير أن يستولي اليهود على فلسطين وكل سورية، من زاوية نظر أنّ اليهودية ديانة توحيدية وديانة حق وإنسانية مثلها مثل المسيحية والمحمدية، وهذا تزوير فاضح، وهو تطبيع للشعوب وخديعة يهودية، مع العلم أنّ الفرق شاسع بين اليهودية الطوطمية وبين الإسلام في رسالتيه المحمدية والمسيحية.
الادعاء اليهودي الباطل في سورية
في الأصل، اليهودية فكرة أو إيديولوجية وليست شعب ومجتمع ووطن، فقاعدة علم الاجتماع تقول لا جماعة حيث لا بيئة، ولا تاريخ حيث لا جماعة، واليهودية لا بيئة لها ولا تاريخ. ففي كل البحوث العلمية التاريخية وباعتراف كبار مؤرخيهم في الكيان المحتل، يؤكّدون أنّ اليهود ليست لهم آثار في بلادنا، وما من شيء يظهر أنّهم سكنوا في سورية، ويعتقد أنهم مرّوا في بلادنا كعشائر بربرية بدائية مرافقة لغازي ما، ويستدلّ من توراتهم أنّهم نسخوا ومسخوا أدبياّت وشرائع البابليّين والكنعانيّين وأضفوا عليها ثقافتهم ووحشيّتهم الدمويّة. وعنوان وحشيّتهم وتحجّرهم وأوهامهم ادعائهم المعروف بّأنهم “شعب الله المختار” وكرههم للشعوب الأخرى وعدم التفاعل مع الشعوب، لذلك على ما يبدو من سرديتهم التاريخية غير المثبتة أنّ المجتمع السوري قد طردهم من البلاد، وهذا يحتاج لتدقيق لأنّ في كل سورية لا أثر لهم حسب الأبحاث التاريخيّة.
ومنذ أوائل القرن الماضي بنت الأيدولوجيا اليهودية فرضيّة وهميّة على اختراع شعب هجين مكوّن من حوالي مئة شعب في العالم، بحجة أنّهم يعتقدون باليهودية المتحجّرة العنصريّة المتوحشّة والعصيّة على التأقلم والاندماج بالشعوب التي هي من أصولها ونسيجها الاجتماعي، ورفعوا شعار العودة الى أرض الميعاد في فلسطين تنفيذًا لوعد يهوه، فجاؤوا مع المحتل الإنكليزي الى فلسطين وثبّتهم الإنكليزي والغرب عمومًا في فلسطين لأغراضه الاستعمارية، وما زال العراك والصراع بينهم وبين سورية قائمًا.
الأساس الحقوقي السوري في فلسطين
تعريف الأمّة عند سعادة: “الأمّة هي جماعة من البشر تحيا حياة موحّدة المصالح موحدة المصير، موحّدة العوامل النفسيّة الماديّة في قطر معيّن، يكسبها تفاعلها معه في مجرى التطور خصائص ومزايا تميّزها عن غيرها من الجماعات”، وعليه حقنا القومي الحقيقي المكتسب في فلسطين من واقع حياتنا الاجتماعية المتفاعلة مع وطننا السوري الشامل لفلسطين، والمكتسب من تفاعل شعبنا مع بعضه على مر التاريخ، وهذا ما تؤكّده الآثار والحياة الاجتماعية الواحدة والدورة الاقتصادية والثقافة الواحدة في سورية، وفلسطين هي جنوب الوطن السوري، ومن منطلق هذه الحقيقة نكتسب نحن شرعية أصحاب الأرض. وإذا كانت الأمّة متحّد اجتماعي أو مجتمع طبيعي من الناس قبل اي شيء آخر، فقد تتعاقب الاديان فيها، ويتحوّل الأدب وتتبدّل العادات والتقاليد وترتقي الثقافة بالأمّة من غير أن يشوب سنّة نشوء الأمّة شائبة، لذلك لا حقّ لليهود في فلسطين ولو كان هناك اعتقاد ديني وهمي بذلك، والسلطات السوريّة والعربيّة الحاكمة المُطبّعة مع العدو اليهودي هي سلطات خائنة لأنّها تخالف الحقائق العلمية لنشوء الأمم. وبالدليل العلمي اليهود ليسوا من العناصر والجماعات السورية التي تفاعلت في بلادنا، ولا ثقافتهم لا بالأمس ولا اليوم تشبه ثقافتنا ولا دينهم يشبه دين المؤمن السوري بالإسلام في رسالتيه المحمدية والمسيحية، ولا آدابهم تشبه أدبنا. ولا تقاليدهم تشبه تقاليدنا.
إنّ مشروع التطبيع التي وقّعته سلطات سورية وعربية يقوم على قهر الشعب السوري كله وليس في فلسطين فقط، وهو اغتصاب للحقوق القومية، وإلغاء لحركة العقل وتحويل الناموس الاجتماعي الطبيعي للحياة عن محوره، كما أنّ الغاية المباشرة من التطبيع سلخ فلسطين، الجزء العزيز الغالي على كل سوري، عن الوطن السوري وتقديمها هدية لشذاذ الأرض اليهود، وهذا يعني إبادة شعبنا في فلسطين وتشريد من تكتب له النجاة.
فالحزب السوري القومي الاجتماعي يؤمن ومعه ملايين السوريين من طوروس الى سيناء أنّ للشعب السوري وحده حقّ تقرير المصير، ويؤمن أنّ البندقية سوف تحمي الحقوق القومية وتحرّر ما اغتصب من فلسطين مهما كبرت التضحيات.