مع دخول الحرب شهرها الرابع تعصف الخلافات بالطبقة السياسية والعسكرية والأمنية في تل أبيب، ويستعد كل منهم للتنصل من مسؤولية الفشل المرتقب وتحميله لغيره، وهي خلافات لا علاقه لنا بها فجميعهم متفقون على مواصلة الحرب ضدنا وعلى القضاء على المقاومة وبالتالي على الشعب الفلسطيني. ومع ذلك لا زال “الإسرائيلي” يحاول الظهور بمظهر القوي برغم عجزه عن تحقيق أي انتصار ولو كان مظهريًا في حربه هذه، وأكثر ما استطاع تحقيقه لا يتجاوز قتل المدنيين وهدم البيوت و تدمير المدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس. أمّا المقاومة وقدراتها وإرادتها فلا زالت على حالها من القوة والثبات، وما اغتيال الشيخ صالح العاروري، على أهمية الشخص، إلا نقطة في بحر هزائم العدو، و مع ذلك فلا زال يرفع من سقفه الكلامي كما بدا من تصريحات رئيس الحكومة يوم الأربعاء حين قال: “سوف نقضي على المقاومة وحركة حماس قضاءًا نهائيًا، سوف نحرر الأسرى بالقوة، لن تنتهي هذه الحرب إلا بعد إعادة تشكيل غزة من جديد وبما يضمن أنها لن تعود مصدر تهديد لنا”.
مقابل هذه النبرة المرتفعة ترى في الميدان ما يكذّب كلام رئيس الحكومة وغيره من القادة “الإسرائيليين”، فهو يسحب ألويته وكتائبه من الميدان، وإنه كلما ادّعى أنّه أجهز على المقاومة في مدينة أو حي يخرج من ثقوب الأرض مقاتل واحد أو بضع مقاتلين مكذّبين روايته بقذيفة أو عبوة ناسفة.
في الشهر الرابع للحرب تتسع ميادينها وتصبح مفتوحة على عدة جبهات، إن في مواجهة الاحتلال مباشرة كما هي الحال في غزة والضفة الغربية ولبنان وإن مع صانعيه وداعميه كما في العراق وشرق الفرات، وإن عبر قطع شرايين إمداده وضرب مصالحه ومصالح الغرب كما في البحر الأحمر. وكان آخر ما حرر على جبهة الضفة الغربية اجتياح مدينة جنين فجر الأربعاء وجريمة اغتيال سبعة من المواطنين الآمنين أربعة منهم أشقاء، وفي العملية النوعية للمقاومة اللبنانية التي أعطبت قاعدة ميرون الاستخبارية الواقعة على قمة جبل الجرمق والتي قال المراسلون العسكريون “الإسرائيليون” أنها تسببت بعمى لأجهزة الرصد والتجسس، وقد مثلت الرد الميداني الأول على جريمة اغتيال الشيخ صالح العاروري.
الإسرائيلي بدوره يعرف أنّ موسم الحرب قد وقع وأنّه لا يستطيع الدخول في حرب كل سنة أو سنتين، هكذا كان في أيام قوته، عندما كان يخوض حروبًا سريعة ويحقق بها انتصارات، أما هذه الحرب فهي الأطول والأكثر كلفة والتي تؤكد وجهة النظر المحايدة والبعيدة عن التفكير بالأماني أنه لن يحقق نصرًا بها على غزة، الأمر الذي يدعوه لفتح جبهات أخرى طالما أنّ الحرب واقعة لا محالة
بدت إشارات الرغبة “الإسرائيلية” في التصعيد مع لبنان واضحة وجلية، كان آخرها يوم الأربعاء وعلى لسان من يصنّف أنه الاكثر اعتدالًا وتعقلًا في مجلس الحرب الوزير بيني غانتس الذي قال: “إنّ الوضع الذي لا يستطيع به سكان مستوطنات الشمال العودة الى منازلهم يتطلب حلًّ عاجلًا، وعلى العالم أن يتذكّر أنّ من بدا التصعيد هو المقاومة اللبنانية وأنّ “إسرائيل” مهتمة بالحل السياسي وإلا فإنّ الدولة والجيش سوف يزيلان هذا التهديد وجميعنا في مجلس الحرب متفقون في هذا الموقف”.
صمود المقاومة في غزة واشتباكها المتواصل في لبنان والضربات التي يتلقاها الأميركي في شرق الفرات والعراق وعرقلة الملاحة في البحر الأحمر مثلت عناصر قوّة متضافرة أدركها الأعداء فترافقت مع موسم زيارات لسياسيين غربيين بهدف العمل على عدم توسيع الحرب، منهم الوزير الأميركي بلنكن، ومنهم مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل الذي اضطر لاستعمال لغة ومفردات قريبة من الاعتدال والصدق بدت غريبة على أسماعنا باعتبارها صادرة عمّن في موقعه، وبدت أغرب حين اضطر للاجتماع مع النائب عن المقاومة محمد رعد الذي أسمعه فصل المقال: “لا حلول ولا حديث ولا حوار قبل وقف الحرب على غزة”.
فما عدا مما بدا ليصبح بوريل وكأنه ناطق باسمنا ويتحدث عن المجاعة التي تطال 100% من أهل غزة وعلى ان الحادث الذي وقع في السابع من تشرين الاول لا يستدعي هذا العنف وهذا الرد وهو الاشتراكي القديم الذي قضى في شبابه سنة عاملا متطوعا في كيبوتس (غال اون).
الذي عدا مما بدا هو القوة والثبات لدى المقاومة، والعزيمة والإصرار لدى حلفائها وشركائها، كل ذلك مثّل القول الفصل والذي سنرى ونسمع مثله قريبًا وعلى ألسنته ما لم نكن نتوقع أن يصدر عنهم.
السر في القوة والصمود لا في الضعف والشكوى والاستكانة… درس من دروس حرب تشرين الثانية.
سعادة مصطفى ارشيد
جنين- فلسطين المحتلة