الهزيمة بألسنتهم: ورطة قتل الأسرى!

تحت عنوان “كارثة إطلاق النار على المخطوفين – لا دلائل على انكسار “حماس”، والأزمة في طريقها إلى التعقد أكثر” كتب طال ليف رام في صحيفة معاريف العبرية:

لا تزال تفاصيل الحادثة الخطِرة التي وقعت في حي الشجاعية غير واضحة. ولا يزال الجيش في هذه الساعات يُجري تحقيقاته الميدانية، في الوقت الذي يتواصل القتال الدائر في حي الشجاعية، الذي يُعتبر معقل حركة “حماس” الأخطر في شمال القطاع. هنا، باتت حدة المأساة شديدة. إذ إن الشبان الثلاثة قُتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي على بُعد كيلومترات عن حقول الكيبوتسات التي كانوا يعيشون فيها في “كفار غزة” أو “نير عام”. لقد قُتل هؤلاء على بُعد كيلومترات قليلة من أماكنهم الآمنة، وعلى بُعد مسافة تمثّلت في قرار واحد، وموقف حربي صعب. لقد سقط هؤلاء في ميدان القتال.
كانت هذه المأساة محسوسة على وجه الخصوص، تاركةً إحساساً قوياً بالكرب والألم الجمعي، عشية اليوم السبعين لاندلاع الحرب. هذه الكارثة تجعل المرء ينقبض أكثر، انطلاقاً من إدراكه العميق المتمثل في أن سقوط هؤلاء الشبان جرى في أجزاء من الثانية، أو أنهم لم يكونوا ليموتوا لو تم اتخاذ قرار آخر، وكان يمكن لعشية السبت هذه أن تبدو مختلفة تماماً.
من الصعب، بل من المستحيل، أن نُطلق أحكامنا على المقاتلين الذين أطلقوا النار على المخطوفين في وسط الحرب والميدان الحقيقيَّين. لقد وقعت هذه الحادثة في مكان غير بعيد عن المعركة التي خاضها لواء غولاني، والتي سقط فيها، هذا الأسبوع، تسعة من الضباط والمقاتلين في اشتباك وعملية إنقاذ خطِرة. بعد وقت قصير من وقوع الحادثة المأساوية، جرى الاشتباك الآخر. إن مقاتلي حركة “حماس”، في أغلبيتهم، يتجولون في هذا الحي، عن سبق ترصّد، بملابس مدنية. ينحصر عمل بعض هؤلاء في المراقبة، وبعضهم الآخر مسلح. في هذه المرحلة من الحرب الدائرة على مسافات شديدة القرب أحياناً، هناك خشية أيضاً من وجود “مخربين” يلبسون أحزمة متفجرة، ينفّذون انتحارهم في قلب أماكن تموضُع القوات الإسرائيلية.
يبدو أن الضباط الإسرائيليين لم يأخذوا في حسبانهم أبداً احتمال نجاح مخطوفين في الهرب إلى شوارع الشجاعية المدمرة، في محاولة منهم إلى الالتجاء إلى مواقع تواجُد الجيش الإسرائيلي. هناك دروس سيتم استخلاصها، وهناك أخطاء سيتم استيضاحها، وهذا هو الواقع المؤلم المتمثل في الحرب وميادين المعارك، لكن ما قلناه لن يشكل عزاء للعائلات الثكلى، إذ إن المسافة بين الحداد والأمل، كانت قصيرة جداً هذه المرة.
من المتوقع أن تؤثر هذه الحادثة المأساوية في الخطاب العام، وأن تلهب الجدل الشعبي في مسألة المخطوفين وحلها، أكثر فأكثر، في الوقت الذي تحاول المنظومة الأمنية أن توضح أن الضغط العسكري وحده هو ما من شأنه أن يؤدي إلى إطلاق سراح المخطوفين. لكن الأيام القليلة الماضية باتت تُعاش تحت شعار العثور على الرفات وإعادة الجثامين إلى إسرائيل، بعد الحملات التي تنفّذها قوات الجيش الإسرائيلي في الميدان.
صحيحٌ ادعاء المؤسسة الأمنية أن الضغط العسكري مكّن من عقد الصفقة السابقة، لكن لا يمكننا الآن أيضاً تجاهُل هذا التوتر القائم بين استمرار القتال، وحفظ حياة المخطوفين. لقد قُتل بعض هؤلاء خلال العملية الجارية، ويبدو أن أغلبيتهم سقطت، على ما يبدو، برصاص حركة “حماس”، على الرغم من أنه لا يمكننا نفي احتمالات سقوط بعض المخطوفين بنيران الجيش الإسرائيلي أيضاً.
هذه الحادثة صعبة. والمعنويات تئن تحت الثقل، والشعب يشعر بالألم، وقلق العائلات كبير، ويمكن تفهُّمه. إذ لا توجد الآن أي اتصالات ذات معنى بشأن صفقة جديدة. تقول المنظومة الأمنية الإسرائيلية إن حركة “حماس” غير مستعدة الآن للتحدث عن أي مطالب متعلقة بالأسرى الفلسطينيين، بل إنها تسعى لتحقيق مطالب وطنية أُخرى، وهذا السعي لا يتيح مجرد الشروع في الحوار، ولا ينطوي على أي نقطة يمكن البدء بمفاوضات منها.
وكما هي الحال في الحروب، فإن أي حدث صعب ومأساوي، مهما كان، لا ينبغي أن يكون هو الدافع إلى ترسيم السياسات، بيْد أنه صار من الضروري في هذه النقطة الزمنية أن نعيد النظر في أهداف الحرب، بحيث نضمن استمرار القتال ضد حركة “حماس” لوقت طويل، مع إصرارنا على وضع المخطوفين في المقام الأول: سيُترجم الأمر في بذل الجهود والموارد العملياتية والاستخباراتية في هذا السياق. يقول الجيش الإسرائيلي علناً، إن جهده الحربي في خان يونس، مبذول لمحاولة الضغط على قيادة حركة “حماس” الموجودة هناك، لكن أغلبية القوة العسكرية الإسرائيلية لا تزال موجودة، بوضوح، في شمال قطاع غزة، من أجل التغلب على مخيم جباليا وحي الشجاعية.
يمكن للجيش الإسرائيلي، في مناطق أُخرى موجودة في شمال قطاع غزة، العثور على مواقع الأنفاق وتدميرها، هذه الجهود مهمة طبعاً، لكنها من الناحية العسكرية، لا تشكل ضغطاً عسكرياً تقول القيادة الإسرائيلية أنه الوحيد الذي يمكن أن يعيد المخطوفين إلى منازلهم. إن وقف القتال الآن لن يخدم هدف استعادة المخطوفين، لكن الكابينيت وقيادة الجيش سيضطران الآن إلى تحديد ماهية الجهد الرئيسي في القتال الدائر في قطاع غزة، ووضع هدف استعادة المخطوفين في المقام الأول، بسبب عجالة الأمر.