الشهيد وسام شفيعُنا يوم نُسأل: ماذا فعل حزبُكُم لتحيا البلاد؟

بين حوالى الألف شخصٍ -معظمهم يتكلّمون- تسمعُ صوتاً واحِداً مذبووحاً يخرج من قلبٍ نازفٍ لا من فم: “رفعت راسنا يا إمّي”.
المشهدُ الأوّلُ الّذي تراه، والّذي تبدو من قبله كُلّ المشاهد الّتي رأيتها سراباً، كأنّك تصحو من حُلُمك لتوِّك، هو أُمُّ الشهيد وسام سليم، ترتدي جاكيت بزّته العسكريّة، ترفعُ رأسها وتبكي. كأنّما الدّموعَ ستفرغ غداً.
فقط في تشييع الشّهيد، ترى السيّارات غير الفخمة، الّتي زُيِّنت بصُوَرِ شُهداء آخرين. فتجولُ عُيونك في المكان علّها تقع على أهل شهيدٍ آخر أتوا ليقفوا الى جانب “آباء الشهيد الجُدُد”. أنا عيني وقعت على الرّفيقة فاطمة، تمسحُ دُموعها بمحرمةٍ خَجِلةً من بُكاء عَلَنيّ. أقتربُ منها لأُعَزّيها فتبكي، وكأنّما الدُّموع ستفرغ غداً… تحضنني كأنّها طفلة، ألم تكُن كذلك يوم انضمّت لعوائل الشهداء؟ يبدو أنّ فيها شيئاً ما زال…
ثُمّ نمشي… وتمشي معنا الورودُ… والرّصاص… والدُّموعُ… وأعيُنُنا تُحيطُ بأحبّائنا، كأنّما نخافُ أن نسهو عنهُم بينما يحيطُنا كُلُّ هذا الفقد تجاه رفيقٍ رُبّما لم يعرِفنا، ولم نعرفهُ، ومع ذلك بكيناهُ وكأنّهُ كان كُلّ ما نملُك، وكُلّ من نملك!

ما كان ليجمع، ابن بيصور، بابن الصرفند؟ إلّا القوميّة الاجتماعيّة. كيف كانا ليلتقيا؟ إلّا عبر هذا الحزب. لماذا كان واحداً ليستشهد وآخر ليأخذ مكانه على الجبهة؟ إلّا لأنّهُما قوميّان.
هذا الحزبُ مدّ جُسوراً حتّى ولو طاف الوطن، ولو غرق، ولو احترق، ولو قُطِّعَت أوصاله، لوصل بينها!

أمس، استشهد سوريٌّ قوميٌّ اجتماعيّ، ومقاتل من فلسطين، ومقـ اوم في حز ب الـ له، في البقعة الجغرافية عينها. ثلاثُ شبابٍ من ثلاث خلفيات عقدية مُختلفة، اجتمعوا على وضوحِ الدّم. وفي حضرة الدّمِ يخبو أيّ لونٍ او صوتٍ او شيءٍ آخر.

أمّا الشهيد وسام… تردّدتُ حقيقةً أن أذكُر أنّه مهندسٌ، لكنّ تفصيلَين لم يُمكِّناني من غضّ النّظر عن ذكر الأمر.
السبب الأوّل هو قول والده أمس بينما كان يتحدّثُ عنه الى الاعلام “المهندس وسام” حيث روى كيف أنّ الشهيد شقّ طريقه الى العلم بتعبه وبتعب أهله.
والسبب الثاني هو أنّ الشهيد كان ينهي اعماله احياناً ضمن عمله الحزبي لأنّ العائلة الحبيبة تعتمد عليه.
فـ بلى، هذا المُهندس، الشهيد، المُهذّب، الجميل، السّعيد، المؤمن، المندفع، الذي يُحِبُّهُ كُلُّ من يعرفه، سيكون قُدوةً لأولادي، وسأذكُرُه للعائلة وللناس وللاصدقاء كُلّما سنحت لي الفرصة.
هذا الشهيد، هو فاتحةُ انتصاراتنا الّتي لن تنتهي إلا بتحرير كُلّ ما يُمكن أن يُحرّر من أعداء البشرية.
هذا الشهيدُ شفيعُنا يوم نُسأل: ماذا فعل حزبُكُم لتحيا البلاد؟

البقاء للأُمّة.