الحرب في جانبها الصحي الإنساني

تفتك آلة الحرب الغربية الإسرائيلية بغزّة، ولا تفرّق بين حجر أو شجر أو بشر، هادمة المساجد والكنائس، المستشفيات والمدارس ومعها عشرات ألاف البيوت والبنايات السكنية والأبراج وحارقه وجارفة الحقول والكروم الزراعية، فيما تجاوز عدد الشهداء 18,000 من الذين عرفوا بالاسم، وألاف آخرين لا زالوا تحت الأنقاض أو دفنوا على عجل أو اصبحوا في عداد المفقودين الذين لا أمل في العثور عليهم أحياء، ومنهم النساء والأطفال وقرابة الخمسين ألف جريح، وعائلات أبيدت بأكملها.
قصف الاحتلال المستشفيات وقتل الأطباء ودمّر الأجهزة الطبيّة وغرف العمليات في المستشفيات التي وصل إليها مثل مستشفى الشفاء أكبر مشافي القطاع، واعتقل مديره الذي لا زال أسيرًا وقد مدّد الاحتلال اعتقاله ل 45 يومًا منذ أيام، فيما أصبح الوقود الضروري لتشغيل مولدات الكهرباء عزيزًا ومفقودًا لدرجة أنّ الأطبّاء الجراحين أصبحوا يجرون العمليات الجراحية في العتمة او باستعمال أضواء أجهزة الهاتف الخلوي، و بالطبع دون تخدير و مع افتقاد كثير من الأدوية بالغه الضرورة، الأمر الذي يودي بحياة بعض ممن تجرى لهم العمليات الجراحية، فيما وصفت منظمة الصحة العالميّة (WHO) الأداء العسكري الإسرائيلي تجاه مستشفيات غزة على أنّه قصف مقصود.
معروف أنّ أسلحة الجيش الإسرائيلي من الأكثر تطورًا في التكنولوجيا و الدقة في إصابة الهدف، و لكنها ايضًا بالغة القوة في قدرتها على القتل والحرق وإطلاق الشفرات التي تحوّل جسد المصاب إلى أشلاء ودون أن تصدر صوتًا إلا صوت الألم من إصابتهم، و معها قنابل النابالم والفسفور واليورانيوم المنضب، ومنها بالطبع ما زوّدتهم به الولايات المتحدة من قنابل خارقة للأرض ومدمّرة للأنفاق – حسب قولهم والتي تبلغ زنة الواحدة منها ألفي رطل.
ولا يكفى أهلنا في غزّة ذلك، فمن الطبيعي أن تفتك الأمراض بهم بسبب الازدحام وسوء التغذية وافتقاد الماء والنظافة العامة لمن نجا من القصف والقتل، ونسمع عن تفشي الأمراض ومنها أمراض البرد مع حلول فصل الشتاء ومرض الكبد الوبائي (HEPATITIS B) والأمراض الجلدية وغيرها، وترتفع نسب وفيات خاصة بين الأطفال حديثي الولادة.
تؤكد منظمة الصحة العالمية على انهيار المنظومة الصحية في غزة، وعلى أنّ 449 مركزًا صحيًّا قد تعرّض للقصف، فمعظم المستشفيات قد أصبحت خارج الخدمة وأنّ 14 مستشفى من 36 مستشفى فقط لا زال يعمل بشكل جزئي وبأقل طاقاته ومرشح للتوقف عن العمل خلال أيام معدودة وذلك إن بسبب الهدم أو فقدان الدواء أو الوقود المشغّل لمولّدات الكهرباء فيما تعمل بعض المستشفيات الميدانية و منها المستشفيين الأردنيين بأقصى طاقتهما المحدودة و يجري الأطباء العمليات الجراحية دون تخدير وعلى أضواء الهواتف الخلوية.
لكنّ العدد الهائل من الجرحى والحاجة لعلاجهم تفوق إمكانيات مستشفيات غزة حتى ولو لم يلحق بها القصف والدمار، و بما أنّ الحرب لا زالت طويلة، منحت واشنطن وقتًا إضافيًّا لحكومة الاحتلال حتى مطلع العام لاستكمالها وتحقيق أهدافها المستحيلة، ولكنه موعد قابل للتمديد ولا شك مع ما تثبته المقاومة من قدرة على الصمود والاستمرار بالحرب، و هذا يعني أنّ أعداد الشهداء والجرحى ستتزايد مع طول المعركة وارتفاع حدتها.
مصر الشقيقة والدولة التي خرجت غزّة من سيادتها عام 1967 لتحتلها إسرائيل هي الجارة والرئة التي تتنفس منها غزة، وبناء عليه تترتب عليها مسؤوليات إضافية تقول مصر أنّ معبر رفح مفتوح، لكنّ الحقيقة تقول عكس ذلك، إذ تتذرّع مصر بخوفها من مشروع تهجير الغزيين الى سيناء وتعلن رفضها لهذا المشروع ولكن الهجرة الجماعية لم تحدث في أي مكان بالعالم عبر نقاط الحدود والمعابر ولا يقف المهاجرون بطوابير حاملين جوازات سفرهم وإنما يهاجرون جماعيًّا وبشكل عاصف إن حصل لا يقف في سبيله شرطي أو سور أو سلك شائك.
عدد شاحنات الإغاثة التي تدخل من رفح محدود جدًّا وهي تتعرض للتفتيش الإسرائيلي على الأرض المصرية في مشاهد تعرضها الفضائيات، وكذلك حالات دخول أو مغادرة الأفراد تتطلب موافقة (إسرائيلية) بناء على بروتوكول قديم، لكن مع اندلاع الحرب في السابع من تشرين أو الحرب و ما رافقها من ظرف استثنائي يجيز لمصر أن تتجاوز عن أي بروتوكول أو اتفاق إن لدواعي نصرة غزة وإن لدواع إنسانية، وجدير بالذكر أنّ مجموع الجرحى أصبح يقارب ال 50 ألف جريح لم يغادر منهم عبر معبر رفح إلّا 388 جريحًا.
تستحق غزة بأبطالها وأطفالها ونسائها ورجالها ما هو أكثر من ذلك من مصر، و غزة لا زالت قوية بمقاومتها وإرادتها، وبقدر حاجتنا لها بما مثلت من صمود وبطولة رفعت من معنوياتنا وأشعرت كل فرد منا بأنّه قوي ويستطيع الانتصار، و لكنّها تستحق منا أن نطالب مصر بالوقوف الى جانبها في نضالها وكفاحها ضد الاحتلال أسوة بوقوف الشعب المصري الطيب، وتستحق غزة منا أن نرفع الصوت عاليًا لفتح معبر رفح على مصراعيه.