حكاية الحاج إبراهيم حسن علي صرمة من دير دبوان / فلسطين، حكاية صمود شعب بكامله.
عندما غادر أبو حسن، قال محبوه، ذهب حارس الأرض المباركة، “ليته انتظر لتعود فلسطين” هذا الرجل، بقي على وعده لأهله وأبناء بلاده أن يواكب نضالهم وصمودهم وأن لا يغادر قبل أن تتحرر الأرض، لكنه فعلها عن عمر خمسة وتسعين عاماً من النضال والحكايات وكذلك الآمال بجيل يجعل النصر آت لا محالة.
الحاج أبو حسن من دير دبوان، البلدة المجاورة لرام الله التي تبعد عنها نحو 7 كلم كما تبعد عن القدس شمالاً نحو 15 كلم، تعود تسمية هذه البلدة إلى دير كان يعيش فيه الراهب ديفا ثم تم تعريب الإسم إلى ديوان فيما بقي بعض آخر يسميه إلى دي بوان. في بلدته الغنية بالآثار التي تؤكد عراقة الحضارة الكنعانية، عاش طيلة حياته، ربى عائلته وحافظ على ملكيته وناضل طيلة سنوات عمره لتحرير بلاده من الانتداب ومن قيام دولة الكيان الغاصب، وبقي طيلة حياته يعتبر أن إحدى أبرز إنجازاته، إسهامه بنقل جثمان القائد عبد القادر الحسيني الذي استشهد في معركة تحرير بلدة قسطل في نيسان عام 1948، إلى القدس حيث ووري الثرى إلى جانب والده موسى كاظم، بعد جنازة شاركت فيها وفود قدمت من كل أنحاء فلسطين.
لقد شهد أبو حسن صرمة الانتداب البريطاني ودعمه لإنشاء دولة الاحتلال، وظروف المقاومة التي نشأت يوم عين عبد القادر الحسيني قائداً عاماً لقوات المقاومة، التي واجهت ووجهت ضربات قاسية للصهاينة وكانت معركتها الأهم معركة القسطل التي استشهد فيها الشهيد الحسيني.
عايش الحاج، قرار انسحاب الانتداب البريطاني ومعها إعلان دولة الاحتلال. بدل أن تعود فلسطين إلى أهلها، أدى الأمر والمجازر التي ارتكبت إلى نزوح ما يزيد عن ربع مليون فلسطيني وبقي أبو حسن في أرضه مع عرب الأرض المحتلة لم يهاجر ولم يلجأ حيث لجأ الفلسطينيون وتوزعوا إلى مخيمات لبنان والأردن وسوريا والعراق وأيضاً إلى مناطق أخرى داخل فلسطين.
بقي في أراضي ال 48 المحتلة، التي قسمت بين الاحتلال والإلحاق والضم، وعانى مرارة كل تلك الظروف الصعبة ومحاولات طمس الهوية الوطنية الفلسطينية بعدما أطبق الاسرائيلي المحتل الخناق على أهل الأرض الأصليين وطردهم وطاردهم في خطوات متتالية بأحوالهم وأملاكهم لاقتلاع أكبر عدد منهم.
عانى كما سواه من إلزامية الحصول على الجنسية الإسرائيلية، إلى أنظمة الطوارئ والحكم العسكري التي فرضها المحتل على أهل الأرض، إلى حرمانهم من حقوقهم وجعلهم مواطنين درجة ثانية، يحق فيها للإسرائيلي التدخل بمختلف الشؤون الحياتية اليومية للفلسطينيين. أيضاً تحمل المنع من التنقل إلى ظروف العمل والإقامة والسكن وكذلك تغيير المناهج التعليمية بقصد محو الهوية الفلسطينية والشخصية الوطنية، ولا ننسى نهج العنف والتصفيات الجسدية وتدمير المساكن، لفرض الرعب الدائم لدى أهل الارض، كما استمرار مجازره الوحشية، مجزرة كفرقاسم نموذجاً عام 1956 وكذلك استمرار سياسة استملاك الأراضي بقصد توسع الاستيطان واستجلاب مزيد من يهود العالم.
يمكن القول أن هذه السياسة نجحت في جعل كيان الاحتلال يستولي على ملايين الدونمات من أراضي السكان العرب.
أبو حسن صرمة، مناضل رفض أن يبيع أرضه وزيتونه في دير بورن ولم ينهزم أمام كل المحاولات العاتية، عاش مزارعاً في أرضه، قدوة في الثبات والصمود، دون أن يرضخ او يتنازل وظل بيته صامداً. حريصاً على الأرض بقي، يشذ بها ويعتني بها ويقطف محاصيلها ويبيعها ويزدهر بيت الفلاح المكفي، سلطاناً على ملكه. وبحكمته الواسعة أدرك أبو حسن صرمة أن الجنسية الأجنبية لأولاده تحميهم، فكانت الجنسية الأميركية، وكانت علومهم هي الرافعة لهم ليكونوا مزودين بسلاح المواجهة المطلوبة.
وهذا جعلهم ثابتين اكثر في محبة بلادهم، وعميقي الانتماء كما زيتونه في داره وفي حقوله الواسعة التي اعطتهم الخير العميم.
أولاده اليوم مالكي أرزاق الحاج ابو حسن صرمة، يحرسونها كما حرسها هو عقوداً، مؤمناً أن فلسطينه ستعود، وها هي وردات داره يانعة وستبقى، خضراء زاهية مروية.
إن سياسة الظلم والاستيلاء على الأرض، بقصد الإستيطان لا تزال إحدى أبرز أساليب العدو تجاه أهل الأرض وأصحابها، من خلال الهجومات المتتالية على الصامدين وأرضهم، لكن المواجهة صارت أقوى استبشاراً بعودة فلسطين ونجاح المقاومة في تكبيد العدو خسائر جمة، أن عنفوان الشباب الفلسطيني بات أقوى اليوم وقدوتهم هو وأمثاله من الصامدين الثابتين المقاومين ببقائهم.
غادر الحاج أبو حسن صرمة تاركاً خلفه إرثاً كبيراً في نسيج فلسطين الوطني والإجتماعي مستبشراً بالمقاومة سبيلاً لاستعادة الأرض والهوية الضائعة.