تمخّض النّظام اللبنانيّ العَفِن، فأنجب أسوأ نماذج السّياسيّين السّارقين مُنعدمي المبادئ، ومع أنّ الأمثلة قد لا تُحصى، إلّا أنّ النائب السابق أسعد حردان من أوقحها.
اقطاعي بنى مملكته على بحرٍ من الدّماء -دماء القوميين الاجتماعيين تحديداً- من جهةٍ، وعلى فسادٍ إداريٍّ وسرقات في المقلب الآخر. دماءٌ انهمرت من ملف اغتيال عميد الدّفاع في الحزب السوري القومي الاجتماعي، الشهيد محمد سليم. ولم تجفّ أنهُر الدّماء مُذّاك الحين، ما مدّ بعمر النّموذَجَ المفلس. فكيف يقتاتُ أهلُ الموتِ إلّا عليه؟ وكيف لحردان أن يُسجّل نقاطاً بغير الدّماء والموتِ المُستمرّ والمُتكرّر؟ أيبني يعني؟ وماذا قد يبني امثاله؟ أيبني غير الحوائط بين أبناء المجتمع الواحد؟ أو حتّى الحزب الواحد؟ وكيف يتربّع على عرشه المُخلخل إلّا إن هدم الجسور الّتي تُبنى بين أبناء شعبنا؟
أمس، وبوقاحةٍ مُتجدّدة، لم نُفاجأ بها، ومن شدّة الإفلاس الفكريّ، والعقدي، والأخلاقي، والسياسي، عمد المهزومُ حتّى في حزبه، النائب السابق، الذّي خسر حتّى في الانتخابات النيابية الأخيرة، أسعد حردان، على نكء جراح القوميين الّتي تسبّب هو أصلاً بها في مرحلة التّصفيات الّتي “ذهّبته”، مُرسلاً مجموعةً من المُرتزقة ليحتلّوا مركزاً حزبيّاً ويقتلوا من بداخله من رفقاء. أرعبت هذه العصابة الّتي يلعبُ بها حردان كأحجار “الداما” مُستغلّاً حاجة بعض شبابها المادية، ومُعبّئاً ببعضهم الآخر نزعتهم التوّاقة للارتزاق، أهل بيت شباب.
بيت شباب هذه، لم تشهد، رغم تعدُّد الأحزاب، مع استلام الإدارة الحزبية الجديدة، في الحزب القومي، دفّة القيادة، أيّ إشكالٍ بين أهاليها، حيثُ حافظت على مصلحة المُتّحد، مُترفّعةً عن زواريب المشاكل الضيقة التي يقتاتُ أمثال حردان من جهة، والنائب سامي الجميّل من جهة ثانية، عليها. بيت شباب هذه، كان قد هجّر القوميين منها حزب الحليف المستتر لحردان، الحردان هو الآخر، الجميّل.
وبعدما فشلت، هذه العصابة الّتي يحسبُ بعضها، انّها حزبٌ، باحتلال مركز الحزب، خرج الجميّل نفسه ليُسجّل لحردان انتصاراً ضدّ المؤسسة الحزبية، فساواهُ بها، رغم أنّ الجميّل نفسه، يعرف جيّداً الاختلاف الجذريّ بينها وبين حردان ومُرتزقته، ويعرفُ جيّداً أنّ استنكاره للأمر بالصيغة التي استنكره بها، يخدم حردان، تركة النظام المُفلس، زميله يعني.
المحاولة الثّالثة التي يتنفّض بها حردان ليُثبت أنّه مازال موجوداً تبوءُ بالفشل، إذ لا ينقص هذا الرّجُل الذي أصابه جنون العظمة بضعة شقق أو مراكز، فقد اغتنى من دماء القوميين وجنى أعمارهم، هم الفقراء، حتّى جفّ لسانه لكثرة ما مضغ من لحم أكتافهم، بل ينقصه بعضُ الدم ليُكرّس نفسه وصيّاً عليه من جديدٍ. ويخرج بكُلّ وقاحةٍ، ليُنادي بالوحدة بين القوميين عند كُلّ مناسبة وبدونها، في حين أنّ القوميّين، موحّدون، ضدّه!
هذا التّشابُه بالوقاحة أيضاً ينسحب على الكتائب، الذي لم تنم قيادته ليلة أمس، من شدّة خوفها على بيت شباب، في حين أنّ أعيُن أُمّهات شُهداء صبرا وشاتيلا لم تنم منذ أن مجزَر هذا النهج بأولادهنّ، وحائط كنيسة عينطورة لم تجفّ دماء القوميين الاجتماعيين عليه بعد، والصّفرا لم يُقفل جرحُها بعدما غلّفه أهلها بالملح، وتلّ الزّعتر الّتي أمطرها ملائكة حزب الكتائب بـ 55000 قذيفة تشهد على رهافة مشاعر آل الجميّل، حين غدروا بالنازحين الفلسطينيين الذين غادروا مخيّمهم عُزّلاً، فقتلوا منهم 3000 شهيداً، وأخفوا من أخفوا.
إنّ البناء لا يجتمع مع التّهديم، والحجّة لا تستوي مع الباطل، والمُرتزقة لا يُحسبون على القوميين الاجتماعيين، وسامي الجميّل وأسعد حردان، سيبقيان الوجهين للعُملة الواحدة: الإفلاس.