أجراس سعاده

أجراس سعاده

اعداد د. موفق محادين

كل يوم يمر على سوراقيا التاريخية (بلدان الهلال السوري – العراقي) يذكرنا بسعاده، فآذاراته وتموزياته تستغرق العام كله، بل وكل العقود التي أعقبت تحاقب الاحتلال العثماني – الإقطاعي والرأسمال الأوروبي، وبقدر ما كانت قوى الإمبريالية والرجعية إجرامية وشرسة ومصرة على تحويل سوريا الطبيعية التاريخية إلى أشلاء أمة وكانتونات طائفية وهويات كيانية قاتلة، بقدر ما زادت الحاجة إلى مشروع سعاده وقراءاته الفكرية والسياسية:

أولا: على الصعيد الفكري

  • في المسألة القومية بقدر ما دخل سعاده في افتراق مع القوميين العرب، حول مسألة الأمة (أمة عربية أم أمم عربية في قلبها الأمة السورية) بقدر ما قدم إضافة سياسية شديدة الأهمية في كتابه نشوء الأمم، وترد على كل المزاعم بشأن مقاربات مع النازية، ففكرة الأمة عند سعاده فكرة عابرة لعناصر الدم والسلالات والأعراق ناهيك بالدين، وهي تعبير عن متحد اجتماعي، جغرافيا اجتماعية – ثقافية – حضارية حيوية.
  • في المسألة النظرية حول المثالية والمادية، إذ لم يضع المثالية مقابل المادية أو العكس شأن معظم النظريات الأوربية في الأزمنة الحديثة مثل الوجودية والماديات المبتذلة والبنيوية والتحليلية والمناطقة الانجليز والشكلانية الروسية، بل كان أقرب إلى قراءة خاصة للكانطية، المثالية الموضوعية، والديالكتيك من هيرقليط إلى هيجل وماركس حين نحت مصطلح المادية الروحية، فالمتعينات المادية مستحيلة بدون أسمائها.
  • يشار كذلك إلى دور سعاده في تجديد الأدب ضمن الرعيل المبكر الذي انتبه إلى أهمية هذه المسألة، وظهر في أسماء أدبية مرموقة.

ثانيا: على الصعيد السياسي

  • في ما يخص الصراع العربي الصهيوني كان سعاده اكثر دقة من جميع التيارات الفكرية والسياسية العربية التي ركز بعضها على الطابع السياسي مميزا بين الصهيونية واليهودية، مقابل البعض الآخر الذي ركز على الطابع الديني، فبحسب سعادة وبعد أن ميز بين اليهودي الفرد الذي يولد يهوديا وبين اليهودية، أكد على العلاقة الجدلية بين اليهودية والصهيونية، فإذا كانت الصهيونية تعبيرا سياسيا عن تخادم استعماري بين البرجوازيات اليهودية والرأسمالية الأوروبية ثم الأمريكية، فإن اليهودية في جوهرها العنصري والربوي هي الأساس الأيديولوجي لهذا التحالف بالإضافة لدورها في تغطية أكثر الثكنات الكولونيالية الاستعمارية إجراما في التاريخ (إسرائيل).

  • كما تظهر راهنية سعاده وضرورته من المشهد الحالي من حيث:
    • الاحتلال العسكري المباشر وغير المباشر لقطاع واسع من أراضي سوراقيا، فبالإضافة للاحتلال الصهيوني لسوريا الجنوبية (فلسطين) ولوجود قواعد عسكرية أمريكية في سوريا الداخلية (الأردن)، وبالإضافة للاحتلال التركي لقطاعات واسعة من شمال سوريا والعراق في الاسكندرون وكيليكيا وديار بكر، فإن القواعد الأمريكية تمتد على مناطق حيوية من سوريا كما من العراق بعد غزوه واحتلاله.
    • احتلال العقل في مظهريه: العقل المستقيل الذي يرتبط بـ ما قبل الدولة والمجتمع والمواطنة وتمثله الجماعات التكفيرية والإسلام الأطلسي الناعم والخشن، ويحتل مساحة واسعة من الإعلام والمنابر ودور العبادة والمناهج والمدارس والجامعات، أما المظهر الآخر فهو الذي ينسب نفسه إلى الليبرالية الجديدة، المتوحشة في جوهرها والتي تتحرك باسم العلم حينا وباسم الوضعية حينا آخر، وتأخذ في الحالتين شكل العقل التفني، وهو ما استبصره سعاده عندما حذر من عقل وعلم مجوفين من الوجدان والأخلاق والذائقة الإنسانية والجمالية.
      وليس بلا معنى أن نجد هذا االتحالف الموضوعي بين المظهرين السابقين في شوارع الفوضى الهدامة، بين الثورات الملونة ومثقفيها وإعلامييها وأكاديمييها وبين جماعات الإسلام الأطلسي.
    • الاحتلال عبر الهويات القاتلة التي تشكلت في مواجهة الأمة وتمزيقها عبر أقلام الاستخبارات الأوروبية في سايكس بيكو، ومعلوم أن الهويات التاريخية مستحيلة خارج شروط النهضة القومي وكسرها الشروط الإقطاعية لما قبل الحداثة، فالهويات المتاحة بعيدا عن الهوية القومية هي هويات المستقطعات الكولونيالية القطرية التي تفتقد إلى الرافعة الاجتماعية الحديثة كنمط وتشكيلة اقتصادية اجتماعية تسمح بتحويل المجاميع ما قبل الرأسمالية والعشائرية والطائفية إلى مجتمعات مواطنة مدنية قومية بالضرورة.