ضحايا جلادون…

تتناولهم ألسنتنا ليلًا ونهارًا بأقسى النعوت كمن يجلد الهواء أو كمن يكتب على وجه الماء… هباء بهباء!
نصرف الأيام متذمرين متباكين ناحبين ونشكوهم الى الله ليقتص لنا منهم، ويوم الحساب ترانا نقف صاغرين صامتين متناسين دموعنا وشكوانا لله وننقاد لغرائزنا القديمة، لأحقادنا الدفينة، لعاداتنا القبيحة بدفن كرامتنا في نعوش الاستفتاء كما عادة وأد البنات في الجاهلية، نرقص على وقع قهقهات “نواب الشعب” وندور حول نعوشنا فرحين كأنّ الميت ليس “نحن” أو كأنّ المسجّاة ليست حريتنا، وفي المساء نعود الى أكواخنا هياكل عراة من كرامتنا وقد واريناها الثرى بأيدينا واطمأن بالنا لأننا نحن أهلها ونحن أحق بدفنها، وإكرام الميت دفنه…!
شعب يسحقه الذل والجوع وتغمر حياته الشكوى والدموع ومصيره معلق بين الحياة والموت وقد سرقوا منه حتى الهواء، لكنه مصر أن يكون طائفيًا حتى العظم فهل هنالك غباء يضاهي هذا الغباء؟!!!
ماذا يريد هذا الشعب؟!!!
يريد الحرية وكل أربع سنوات يبيعها في سوق الانتخابات بأبخس الأثمان؟!
يريد الكرامة والحياة الكريمة ولا يفتأ يجدد الولاء للذين ينهبون حتى البسمة من عيون الأطفال الأبرياء؟!
يريد الوحدة و غرائزه الطائفية وأوهامه وهواجسه يبنون الحواجز تلو الحواجز بين فئاته ويحفرون الخنادق عميقًا في لا وعيه؟!
يريد السيادة وهو لا يخجل من التطبيل والتزمير للقناصل والسفراء الأجانب ومن تنفيذ إملاءاتهم؟!
يريد الاستقلال وقد تحولت كرومه وبساتينه الى وعر قاحل ومصانعه الى أطلال مهجورة كالقبور؟!
يريد السلام وهو عند كل منعطف يشحذ سكاكينه وفؤوسه بمسن جهله المطبق ويدغدغه الحنين الى همجيته البدائية!!!
يريد وطنًا تسوده العدالة والمساواة ويمعن في تسييس وتطييف القضاء!!!
يريد “أخوّة وطنية” و”تعايش مشترك”
(تعابير تقشعر لها الأبدان لكثرة ما تنطوي عليه من روح تسامح ومحبة!) وهو يطلق يد رجال الدين بالتنشئة والتربية المدرسية وغسل أدمغة النشء الجديد وهو يعلم علم اليقين كيف تتحول منارات العلم والنور من مدارس وجامعات الى حصون ومحابس للطوائف!!!
متى يخجل هذا الشعب يا ترى من أفعاله؟!
أونسأل بعد عن سر تعاسته؟!
هوذا الشعب مضرج بدمائه والكل يبحث عن الجاني وقد أغفلوا بصمات القتيل نفسه!!!
ليس هذا الشعب ببريء من دمه!
نحن الجلادون وما كنا الضحايا وكفى تباكيًا وتدجيلًا.

د.شوقي حداد