كان المشروع المعادي قد عرف عن نفسه منذ البداية على انه مشروع استيطاني احتلالي عنصري يريد الأرض ويريد طرد أصحابها الشرعيين، هذه الحقيقة لم تشهد غياباً أو تراجعاً منذ قرن وربع من الزمان. الحكومة الحالية في تل ابيب والتي تشكلت في أواخر أيام عام 2022 وضعت شعاراً لها على انها حكومة حسم الصراع القومي والوطني التي كانت تكتفي الحكومات السابقة بإدارته دون حسمه، وأعلنت برنامج يتناسب مع هذا الشعار يدعو إلى ضم الضفة الغربية (يهودا و السامرة وفق مفرداتهم) لتصبح جزء من ارض الدولة، وطرد أصحابها الشرعيين إلى الخارج، وقالت ان حل الدولتين لا يعني ان تكون هناك دوله فلسطينية في الضفة الغربية أو على أية أرض في فلسطين الانتدابية، وانما قد تكون في الأردن أو في أماكن ابعد، ولكن التنفيذ لهذا البرنامج قد اعيق حكوميا بسبب ما حدث صبيحة السابع من تشرين اول 2023.
صبيحة ذلك اليوم التاريخي اضطرت الحكومة( الإسرائيلية) للتوقف عن تنفيذ برنامجها المعلن في الضفة الغربية، فقد فرض عليها الطوفان تحديات جديدة دفعتها إلى تغيير أولوياتها وتحويل تنفيذ الخطة من الجهات الحكومية الرسمية إلى المستوطنين الذين اصبحوا قوتها البوليسية والعسكرية في الضفة الغربية، فقد اضطرت لسحب الجيش اما إلى الجنوب للقتال في غزة أو للشمال للقتال في لبنان اثناء حرب الاسناد، لذلك قام وزير الامن الاسرائيلي بتوزيع عشرات الاف قطع السلاح الحكومي على المستوطنين الذين تلقوا الاشارات الصريحة من الحكومة بتصعيد عدوانهم على الارض وعلى الفلسطينيين لا بل واصبح لديهم مهام امنية وعسكرية بالنيابة عن الجيش والحكومة.
وزير المالية (الإسرائيلي) سمو ترتش أضاف إلى عمله في المال والاقتصاد حقيبة اضافية تخوله ادارة الضفة الغربية، وهو بالأصل مستوطن وممن حمل اسم “فتيان التلال “الذين طالما مارسوا العدوان على الفلسطينيين المجاورين لمستوطناتهم، أدت إدارته الجديدة إلى رفع وتيرة الاعتداءات ومصادرة الاراضي وهو يرى ان كل ما قدمته الولايات المتحدة لمشروعه الاستيطاني غير كافي ويدعو إلى عدم الاستجابة لأوامر واشنطن، فهو وامثاله من (الاسرائيليين) اصبحوا يرفعون الصوت قائلين اننا لسنا دولة تابعة للولايات المتحدة، بالطبع يعرف هو وغيره ان هذا كلام مسموح به طالما بقي عند حدوده اللفظية، لكن واشنطن هي من يدير المشهد بأكمله، وهي من يملك القرار، ويمكن القول دون تردد ان المشروع الامريكي في الضفة الغربية لا يختلف اطلاقا عن مشروع يمين اليمين (الاسرائيلي) وان المسالة لا تعدو كونها تلاعب بالمفردات وعلى سبيل المثال ترامب يقول انه لا يوافق على ضم الضفة الغربية (لإسرائيل)، ولكنه لا يمانع من فرض السيادة (الإسرائيلية) على الاغوار ومناطق سي التي تمثل 61% من ارض الضفة الغربية.
هذا الموقف الامريكي الذي يبدو وكانه من حيث المظهر مختلف عن الموقف (الاسرائيلي) يمكن رده إلى ان الولايات المتحدة تحتاج في مشروعها لإنشاء مجلس إدارة غزة إلى قرار دولي وهو ان لم يتوفر في مجلس الامن في حال مارست الصين أو روسيا حق النقض، لذلك فمن الممكن تنفيذه مع شركاء اوروبيين اصبحت شعوبهم ذات موقف رافض للسياسة الإسرائيلية، وبالتالي فقد يذهب ترامب باتجاه تهدئة مؤقتة بالضفة الغربية لا تطال جوهر المشروع الامريكي- الاسرائيلي وانما بعض ذيوله بشكل مؤقت مثل ازالة بعض الحواجز العسكرية أو اخلاء بعض المستوطنات التي لا اهمية لها أو رفع اليد عن الأراضي الفلسطينية المصادرة لبعض الوقت.
هكذا يسير مشروع تهويد الضفة الغربية حثيثا، فيما لا نرى أو ان نلاحظ حراكا حقيقيا للتصدي له، والضفة الغربية اليوم امام امتحان عسير، فالإداء (الإسرائيلي) مستمر بضجيج أو بصمت ولكن النتيجة واحدة، وفلسطين واهلها مضطرون للتصدي لهذا المشروع ولو ادى ذلك إلى زيادة منسوب الإرهاب (الإسرائيلي) والمعاناة الفلسطينية.
انها معركة تدور رحاها بشكل ووقت موازي للمعركة الدائرة في غزة وعلى الفلسطيني الفرد والمجتمع التصدي لها وجعل اولوياته في الضفة الغربية هي في التصدي إلى إجراءات الضم والاستيطان التي استطاعت اقتلاع عشرات الاف الفلسطينيين من الاغوار واستطاعت اخلاء العديد من القرى من سكانها ثم في الثبات والصمود على الارض ومقاومة سياسة التهجير.
انها معركة ضارية وان كان صوت سلاحها اقل مما يجري في غزة ولكنها في نفس المستوى من الخطورة.

