عام 1996 قامت حكومة الاحتلال بفتح نفق اسفل ساحة المسجد الأقصى في القدس، فجرت على اثرها اشتباكات عنيفة بين الفلسطينيين و(الإسرائيليين) كانت هي الأولى بعد اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وحكومة حزب العمل في بإسرائيل ثم فيما عرف باتفاقية وادي عربة مع الأردن التي تملك حق الرعاية على المسجد الأقصى وقبة الصخرة في القدس وعرفت تلك الاشتباكات باسم انتفاضة النفق، وعلى اثرها عقدت في شرم الشيخ قمة اطلق عليها اسم قمة صانعي السلام بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ورئيس الحكومة الإسرائيلي شمعون بيريس والملك حسين والرئيس ياسر عرفات والرئيس حسني مبارك، وقيل حينها أن ضمانات مؤكدة قد منحتها الإدارة الأمريكية لياسر عرفات بإقامة دولة فلسطينية، وضمانات أخرى للملك حسين بحماية المسجد الأقصى والحفاظ على الدور الأردني برعايته، وثبت سريعا أن هذه الضمانات لم تكن تساوي شيء فلا المسجد الأقصى تمت حمايته ولا دولة فلسطينية كان من الممكن أن تقوم بقرار من قمة او باعتراف من مجموعة من الدول، و هكذا فالمسجد الأقصى لا يمكن حمايته إلا بقوة الشعب الفلسطيني، وكذلك الدولة الفلسطينية التي لا يمكن أن تقوم إلا أن تواجدت بيد الفلسطينيين قوة قاهرة قادرة على إحقاقها، و بدعم من محيطها القومي أولاً ثم من عالميها العربي والإسلامي.
أما في التاسع من تشرين أول الحالي فقد حضر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقدس والقى كلمة في البرلمان (الإسرائيلي الكنيست) أكد فيه على الشراكة المطلقة مع دولة الاحتلال وبدا واضحاً أنه وإدارته من كانوا يديرون المشهد ويقودون الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة، وان الإسرائيلي لم يكن يملك إلا هامشاً محدوداً في إدارتها، فيما كان رئيس المعارضة الإسرائيلية يئير لبيد ينافس في خطابه نتنياهو في التطرف.
عقب إلقاء خطاب ترامب عقدت قمة شرم الشيخ الثانية، ولكن بحضور عدد أكبر من قادة الغرب والشرق والعرب والمسلمين الذين كان دورهم لا يتجاوز دور الكومبارس أمام الرئيس الامريكي الذي اعاد اعطاء الضمانات الأكيدة والصادقة لدولة الاحتلال وضمانات مشكوك بمصداقيتها للعرب والمسلمين والفلسطينيين.
بهذا يكون التخوف لا زال كبيراً ومشروعاً حول ما اذا كانت الحرب قد انتهت وحول الضمانات الأمريكية والمصرية والقطرية والتركية التي ترعى وقفها، الرئيس ترامب كان واضحاً قبل زيارته وأثناء القمة ثم بعدها في التزامه اتجاه إسرائيل فيما اخذ بالتنصل من التزامات خطته بشكل تدريجي تجاه الفلسطينيين كقوله أن إعادة الأعمار لم تشمل المناطق التي لا زالت تتواجد بها المقاومة، والمسالة الأهم المرشحة لتفجير الموقف من جديد هي تلك الجثث الإسرائيلية التي يتوجب على المقاومة إعادتها وتحويلها للمختبرات البيولوجية للتأكد من هوياتها وأسماء أصحابها.
فسيف هذه الجثث مسلط على رقاب أهل غزة ومقاومتها فيما نرى دول إقليمية وازنة تهرع بجرافاتها وخبراء دفاعها المدني ومهندسي الزلازل تصاحبهم الكلاب البوليسية للبحث عن الجثث الإسرائيلية فيما لا تجد جثامين 70,000 شهيد من الفلسطينيين متسعا في ارض ابائهم واجدادهم ليدفنوا فيها.
هذه مرحلة من عدم اليقين طالما أن أطراف النظام العربي الوازنة لا زالت تتساوق مع ترامب ونتنياهو اللذان لا يلقيان بالاً لأي اتفاق معهم، كما فعل ترامب في لقائه الذي جمعه بهم وعرض فيه خطته تلك التي سرعان ما ادخل عليها كل التعديلات التي ارادها نتنياهو ومع ذلك قبلتها الأطراف العربية والإسلامية ومارست اقصى ما لديها من ضغوط لإلزام المقاومة الفلسطينية بها.
يوم أول أمس سال صحفي رئيسة المفوضة الأوروبية كيف تطالبون روسيا بإعادة إعمار أوكرانيا بعد أن تضع الحرب الروسية الأوكرانية أوزارها ولا تطالبون إسرائيل بإعادة إعمار غزة التي دمرتها، هذا السؤال أربك الدبلوماسية المحنكة والقديرة فلم تستطع الرد.
في النهاية هل ستلتزم إسرائيل بوقف الحرب؟ وهل ستلزمها الأطراف الراعية للاتفاق واشنطن والقاهرة والدوحة وانقرة؟ أم أن نهاية هذا الاتفاق ستمثل مصداقا للآية القرآنية الكريمة: (كلما ابرموا عهدا نقضه فريق منهم).

