زلزال اسكندرون وحلب اعادة الذاكرة لللواء السليب

إنه الزلزال الأكبر على منطقة الشرق المتوسط على مقياس ريختر 7،8، ربما منذ أكثر من مئتي عام كما تقول بعض التقديرات، وهو الأكبر بعدد الضحايا البشرية فقد أدى إلى سقوط نحو ثلاثين ألف قتيل إلى الآن وثمانين ألف من الجرحى وإلى تدمير لمنازل بلغ عددها التقريبي نحو مليون مسكن، مع تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية في تركيا وسوريا، علماً أن حصار قانون قيصر على سوريا أعاق كثيراً عجالة التحرك الإنقاذي الذي يتطلبه الأمر في مثل هذه الحالات، حيث لكل دقيقة تأخر ثمنها الغالي بأرواح العالقين تحت الانقاض.

الزلزال الذي ضرب المنطقة، حصل في ليل وفي أجواء قاسية من البرد والصقيع والعواصف، لمنطقة يبلغ مداها نحو مئة كيلومتر، تبدأ من جبال زاغروس في تركيا إلى سواحل اسكندرون وكيانات سوريا ولبنان وإلى دمشق وصولاً إلى داخل البقاع.

كأن هذا الزلزال، بحيثياته العلمية أتى ليذكر بأن الاسكندرون، هو اللواء السليب المقتطع من سوريا.

إذ أعلن العلماء الجيولوجيين ان ما حصل هو ارتطام لما يدعى بالصفيجة العربية، بالصفيحة الاناضولية على فالق الأناضول الشرقي الذي يلتقي بالبحر الميت وفي نقطة التقاء يمر عندنا في لبنان. الزلزال الكارثي أعاد إلى الأذهان من جديد، أن هذه المنطقة منتزعة من سوريا، هي اللواء المسلوخ بفعل ذميم من الانتداب الفرنسي عام 1939، وذلك في مخالفة صريحة لصك الانتداب، الذي كان يلزم الدولة المنتدبة بالحفاظ على أراضي الدول المنتدبين عليها، هذا جصل من قبل فرنسا وذاك ما حصل بين انكلترا وفلسطين.

لقد كان هدف فرنسا من سلخ اللواء استرضاء تركيا ودفعها للانخراط مع دول الحلفاء في مواجهة ألمانيا النازية.

اللواء كان تابعاً لولاية حلب وفيه مرفأها، اسكندرون، الذي احترق بفعل الزلزال اليوم، ولهذه الولاية ومرفأها حكاية مع جبل لبنان، منذ أيام مجاعة حرب “الاربعتش “، وسفر برلك يوم حاصر العثملي الجبل فأرسل يومها تجار حلب سفينة “الروزانا” حاملة الإعانات والمساعدات، كاسرين بذلك الحصار، وإلى الآن لا تزال أغنية الروزانا، واحدة من التراث الغنائي الجميل لبلادنا.

يسأل الصحفي خلال تغطيته المباشرة في مناطق الزلزال الكارثي، أهل الاسكندرون، اذا كانوا يعرفون اللغة العربية، فيفاجئ أن العجزة يتقنوها، والشباب بعضهم يتكلمها، اذ لم نستطيع كل محاولات التتريك وقمع النشاطات الثقافية في اللواء المسلوب، من جعلهم ينسون لغتهم الأمم هؤلاء السكان العرب يعرفون حكاية اللواء المسلوب ومعاناتهم التاريخية مع واقع الاحتلال التركي القائم اليوم.

بعد ثمانية عقود لا تزال قضية ضم لواء اسكندرون إلى تركيا واحدة من قضايا التوتر في المنطقة بالرغم من كل التدابير التي قامت بها تركيا لاظهار الأمر وكأنه حق من حقوقها.

أنذاك شكك أهل اللواء الذي زعمت تركيا أنها ضمته لها بعد استفتاء، أن هذا الاستفتاء أنجز بعد حالة التهجير التي قامت بها تركيا، فور إعلان ضم اللواء،  السكان الأصليون موزعون بين مختلف الطوائف الدينية من السنة والعلويين والمسيحيين والأرمن والتركمان، ورغم إشراف فرنسا على الاستفتاء أنذاك فقد بقيت سوريا تشكك به، بعد ذلك استمرت عملية التهجير للسكان الأصليين وثم الاستيلاء على أملاكهم وبيوتهم وأراضيهم الزراعية، دون دفع أي تعويض للمتضررين وتم بعدها تغيير أسماء المدن والقرى إلى التركي فأصبحت اسكندرون هاتاي وتم اقراراللغة التركية لغة رسمية.

إشارة هنا إلى أن ميناء اسكندرون وهو قريب من ميناء طرطوس ولهما تضاريس متقاربة جداً، هو أهم موانئ تركيا، وهو مخصص لتصدير واستيراد النفط وإنتاجها الصناعي والزراعي. وقد عمدت تركيا إلى إجراء تعديل ديموغرافي في المدينة، حلّ فيها نسبة أكبر من الأتراك محل العرب، أيضا تبلغ مساحة المنطقة المسلوبة ثمانية عشر ألف كلم ويبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة وفيها إلى اليوم مدناً هامة أبرزها مدينة انطاكية، والتي هي المقر البطريركي للكنائس المشرقية الارثوذكسية والسريانية، ومنها أحد ابرز الشخصيات المسيحية كيوحنا فم الذهب. كما هناك مدن اخرى عديدة مثل عينتاب التي تحول اسمها إلى اسم غازيها (غازي عنتاب) وأيضا نصيبين وأضنة وأورفة ومرسين.

هذه المنطقة التي تشبه بجغرافيتها حلب وطرطوس في سهوبها وسهولها والتلال والبحر، لم تنس انتماءها إلى سورية ولا يزال أهل اسكندورن في المناسبات والأعياد يدخلون ويخرجون إلى سوريا دون تأشيرات، وبالطبع فإن الحرب الإرهابية التي فرضها الغرب على سوريا طيلة عقد ونيف من السنين، لم تترك لسوريا بوابات او حدود تقفل وكان لتركيا وتسفيرها الإرهاب إلى داخل سوريا دورها البارز في الشمال السوري، حيث لا تزال تحتل مناطق وتهيمن عليها إن مباشرة أو من خلال مسلحيها الإرهابيين.

بعد عقود تسع من سلخ لواء اسكندرون عن سوريا لم تنس سوريا محافظتها الخامسة عشر في تعداد محافظاتها، ولو أن تركيا حولتها إلى المحافظة الواحدة والثمانين عندها وأن حالة العداء التي استمرت حادة بين تركيا وسوريا لحين حصول هدنة بسيطة عام 1998 بموجب اتفاقية أضنة والتي تم فيها تأجيل أمر اللواء إلى وقت لاحق، ولا زالت سوريا  إلى الأن تنفي تخليها عن لواء اسكندرون، رغم اتهامات  البعض لها بإلغاء  قسم اسكندرون من خرائطها، هذا علماً أن القوى الشعبية والأحزاب السورية أيضا لم تتوقف عن المطالبة باللواء السليب، ولا يزال الحزب القومي الذي وجه رسالة إلى الأمم المتحدة عام 1937 احتج  فيها على سلخ لواء اسكندرون من سوريا وطالب الأمم المتحدة بحل الأمر كي لا يتحول مصدراً للنزاع.

ولا يزال لدى جيل الشباب في الحزب القومي شعار اذكروا  كيليكيا واسكندرون حيا  ان في طلب انتمائهم للحزب وفي قسمهم الذي يلهجون به من اجل وحدة هذه الأمة وازالة الاحتلالات ومن الاسكندرون إلى حلب اللاذقية وجبلة وحماة  ,تعيد الكارثة للأرض الواحدة وجعها الواحد الذي يدمي سوريا ويعيد للأمة تفاعلها الواحد في التعاطف وفي الهبّة الانسانية الواحدة التي تجلت بأبهى صورها، فكان فلس الارملة وقرش الفقير ولعبة الصغير ومستودع القادر الذي قدم بسخاء ، هو ابلغ ترجمة للروحية الجامعة لكل ابناء الأمة الواحدة ، كل في حركته الانسانية للمساعدة ، في مواجهة  الاستعمار  الامبراطوري المستمر  مرة في احتلاله ووهبه أرضنا للأخرين  في الشمال  تارة،   وايضا في الجنوب حصاره  بهدف تجويع الشعب وارهاقه.

كوكب معلوف