بين سايكس ـ بيكو وبرنارد لويس وتوم باراك

كان للتفوق الإنجليزي في البحار انعكاسه على تفوق استعمارهم في اراضي العالم الجديد في عصر الاكتشافات الجغرافية الامر الذي دعا الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت لتحدي الانجليز بإعادة استعمار العالم القديم، فكانت حملته على مصر 1798 والتي تمددت شرقا حتى عكا الامر الذي جعل من مشرقنا يسترد اهميته الاستراتيجية والاقتصادية، لا بل وعاد ليكون بؤرة اهتمام العالم الغربي الاستعماري. اعقب ذلك ظهور مصر الحديثة تحت لواء محمد علي باشا الذي ارسل ابنه ابراهيم لاحتلال بلاد الشام ومنذ ذلك التاريخ تطورت مشاريع تقسيم بلادنا واخذت تأخذ شكلا منظما في غرف السياسة الاوروبية، الامر الذي قاد الى حرب اهلية طاحنة شملت معظم لبنان ودمشق وغوطتها وشمال فلسطين على مدى عقدين من الزمن (1840-1860) ،الى ان اخذت التجزئة شكلها النهائي في خرائط سايكس بيكو التي نالت مشروعيتها الدولية في مؤتمر سان ريمو الذي اقر باسم الشرعية الدولية (عصبة الامم) شكل المنطقة الذي عرفناه، فيما نشطت ابواق الاستعمار و صنائعه في تكريس التجزئة و جعل من هذه الشظايا اوطانا نهائية .

جاءت حدود التقسيم تلك لتلبي الحاجات الاستعمارية لكل من الانجليز والفرنسيين ولاحقا روسيا القيصرية واخذت المحادثات بين سايكس الانجليزي وبيكو الفرنسي وقتا طويلا وجلسات على مدى ما يقارب العام حيث كانت ترسم الحدود بأقلام الرصاص ليتم محوها ورسمها من جديد وفق مجريات الحرب ونقاط القوة التي يحققها كل منهما وهكذا جاءت الخرائط النهائية عند حدود مصالح الاستعمار الانجليزي الفرنسي.

كان من الضروري زرع الكيان الغاصب في فلسطين، هذا الكيان الذي اتخذ قناعا مرتكزا على ايمان ديني وتوراتي خرافي، ولكنه يخفي وظيفته الحقيقية بان تكون الدولة اليهودية قلعة حصينة ومتقدمة للاستعمار، تعمل على حماية مصالحه وتحول دون الوحدة القومية وتمثل عنصرا من عناصر الفوضى وعدم الاستقرار بالمنطقة. لاحقا مع مجيء الراعي الغربي الجديد كوريث للاستعمار الانجليزي الفرنسي الراحل، أي الولايات المتحدة، تطلب ذلك العمل لا على تكريس التجزئة فحسب وانما على تعميقها وصناعة المزيد منها بما يجعل من بلادنا في غاية الضعف امام دولة الاحتلال القوية.

لعب دور العراب لهذه التجزيئيات الجديدة اكثر من سياسي ومثقف امريكي ولكن اهمهم واشهرهم كان اليهودي الامريكي برنارد لويس الذي احتل مكانه المفكر الابرز في شؤون بلادنا وكان له اثره في صناعة القرار الامريكي خاصة في عهد المحافظين الجدد و كان له دوره البارز في غزو العراق، و يرى برنارد لويس ان على واشنطن ان تركز علاقاتها في المنطقة مع (اسرائيل) وتركيا اللتان ستتقاسمان النفوذ في الاقليم، وكما لاحظ متابعو برناد لويس في السابق انه كان قد انكر حدوث المذابح الأرمنية على يد الاتراك، يلاحظ متابعيه اليوم تأثيره في تخلي واشنطن عن حلفائها الاكراد اكراما لأنقرة

يريد برنارد لويس التجزئة الجديدة على اساس ديني وعرقي حدودها الطوائف والمذاهب والاقليات الوهمية التي هي جزء اصيل من المزيج القومي، ولكنه يريد أن يجعل لها هويات منفصلة ومتعارضه مع المجموع القومي وهذا لا يشمل بلادنا السورية فقط وانما يمتد الى مصر والسودان وربما الى جزيرة العرب.

قضى برنارد لويس نحبه ولكن آرائه ونظرياته لا زالت حية وفاعلة في العقل الغربي الامريكي، وفي عهد الإدارة الأمريكية الحالية ،يبدو ان تحديثات تجري عليها، هذه الإدارة الحالية عرفت برئيسها الصادم بآرائه الذي يتحدث عن الشيء وعكسه، و يثير حيرة متابعيه، ويبدو ان هذا المرض السياسي قد انتقلت عدواه الى طاقمه المساعد ومنهم السفير براك الذي طالعنا بآرائه الصادمة حول سايكس بيكو ووحدة بلاد الشام ،هذا المصطلح الذي غاب تماما عن الاستعمال ان لدى الغرب او لدى كثير من اهل بلادنا، وبما ان سوء الظن من بعض الفطن كما يقول المثل الشائع فعلينا ان نعرف عن اية بلاد شام يتحدث هذا السفير ؟ وان كانت بلاد الشام التي يريدها هي تلك التي يتقاسمها الاتراك و(الاسرائيليين) كما كتب و ناظر لذلك برنارد لويس.