في الثامن من تموز من العام 1949 استفاق اللبنانيون والسوريون على خبر صاعق تمثل بإعدام زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعاده. في عملية وصفت وقتها من قبل الحقوقيون بإنها «اغتيالاً سياسياً» بحيث تم الاعتقال، والمحاكمة، وتنفيذ حكم الإعدام بأقل من 48 ساعة.
ولآن القرار السياسي كان حاضراً وجاهزاً، لم يُسمح لأنطون سعاده أن يترافع عنه أي من المحاميين، ولم يُعرض على محكمة مدينة حسب الأصول، فكانت الرصاصة أسرع من الفكر والقلم وتطبيق القانون، فكانت تلك اللحظة وإلى يومنا هذا، هي وصمة عارِ على جبين القضاء والسياسة الطائفية والتي مع الأسف لا زالت تنخر في مجتمعنا وتنخر في الوطن.
فشلت محاولة تمرد محدودة قام بها الحزب السوري القومي الاجتماعي ضد حكومة رياض الصلح، عندها قامت السلطات السورية وعلى رأسها رئيس الجمهورية العربية السورية آنذاك حسني الزعيم بتسليم سعاده إلى الدولة اللبنانية، وفي ليلة ظلماء وتحت الغطاء السياسي الطائفي جرت عملية الاعتقال، ثم محاكته في المحكمة العسكرية، ثم تمت عملية التصفية الجسدية فجراً بناء على مادتين الأولى: صُدق حكم الاعدام الصادر عن المحكمة العسكرية بتاريخ 7 تموز 1949 بحق أنطون خليل سعاده.
أما المادة الثانية: يُنفذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص في المكان والزمان اللذين يعينهما وزير الدفاع الوطني (مجيد أرسلان) وقتها.
انطلاقا من هنا نود الإشارة إلى أن الرئيس بشارة الخوري، ورياض الصلح رئيس الحكومة يتحملان المسؤولية المباشرة في قرار الإعدام، بحسب ما ورد من مصادر تلك الحقبة، ومن بينهم الصحفي نجيب الريّس والكثير من الدراسات الأكاديمية المعاصرة والتي تظهر عن خلفيات إقليمية ودولية لقرار الإعدام. إضافة إلى ضغوط داخلية وخارجية رأت في أنطون سعادة تهديداً جدياً للمشروع المذهبي التقسيمي.
فتح ملف إعادة المحاكمة
لآن أنطون سعادة لم يكن مجرد قائداً سياسياً، بل كان مفكراً اجتماعياً، هو الذي ترك الكثير من آثاره الفكرية-الثقافية دليلاً على فطنته، هو الذي ساهم في خلق نظرة جديدة للحياة والكون والفن، هو الذي أسس لبناء نظرة جديدة حول فهمنا للمواطنية وللوطن على أساس مدني عصري، والتي هي نقيض الطائفية والمذهبية والعشائرية والتي لم تجلب سوى الويلات والانقسامات، فكانت نظرته بكيفية بناء أمة لا بناء كانتونات طائفية ومذهبية متصارعة.
ومن أسوأ نتائج قتل أنطون سعاده، بأنهم قتلوا معه الأمل بوحدة أمة مستقلة كل الاستقلال عن أي أمة أخرى، وبقتله قُتلت معه فكرة المشروع المدني المتكامل، وبقتله أيضاً يكونوا قد قتلوا إرادة النهوض من تحت رماد المذهبية والعشائرية.
الهدف من إعادة محاكمة سعاده
حتماً ليس انتقاماً من أحد، بل مطالبة باسترداد الحق لأصحابه، الهدف من هذه المحاكمة أن تكون أمام الشعب والتاريخ.
الأهم من وراء هذه المحاكمة هو تبرئة اسمه من تهمة الخيانة.
إعادة الحق والعدالة لعائلته ولحزبه ولمحبيه وكل من آمن بفكره وتضحياته والتي تكللت بالشهادة.
تكريماً لأرثه الثقافي والسماح بنشره وحتى تدريسه في الجامعات.
التأكيد على مسألة أن الجرائم السياسية يجب ألا تسقط بمرور الزمن
وعليه نود التأكيد أن الهدف من إعادة المحاكمة هذه، هي أنها ليست حزبية، بل وطنية بامتياز.
الخطة المقترحة
تأليف لجنة حقوقية لدراسة الملف مجدداً.
إصدار قرار تشريعي يُلغي حكم الإعدام السابق.
ادراج اسم أنطون سعاده في سجل الشهداء السياسيين.
إدراج تراثه الفكري في المدارس والجامعات.
مقترحات أخرى.
واليوم وبعد 76 سنة على اغتيال هذه الشخصية غير العادية يمكن طرح السؤال التالي: هل يمكن لهذا البلد أن يتقدم ويتطور وأن تكون أحكامه القضائية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسياسة؟
كيف لنا أن ننجح في بناء دولة أساسها التشريعي والقضائي، مبني على مصالح سياسية ضيقة، لا تأخذ في الحسبان مصالح الوطن الكبرى؟
بناء عليه نتوجه إلى الجميع بنداء لا لبس فيه:
جميع القضاة والمحامين في العالم العربي لحمل هذه القضية لأنهم لا زالوا يؤمنون بأن العدالة لا تقتل.
أعضاء المجلس النيابي الذين يشعرون بأن هناك خطأ فاضح ارتكبته الدولة ولا بد من تصحيحه.
جميع الأكاديميين، الباحثين، والمفكرين، إلى مراكز الأبحاث إلى كل شخص لديه الحس الوطني ولديه الكرامة الوطنية.
ندعو الجميع لتبني كل حرف جاء في هذه المقالة وإطلاق العجلة القضائية لإعادة محاكمة أنطون سعاده باعتباره واجب أخلاقي، ثقافي، ووطني، بهدف تصحيح خطأ سبق للدولة أن اقترفته بغياب شامل لتطبيق القانون، يكفي صمتًا.