لا بد من صنعاء وان طال السفر

فقدت تل ابيب اعصابها عند سقوط الصواريخ اليمنية على مطار اللد وهو الشريان الحيوي الذي يربط فلسطين المحتلة بالعالم الخارجي.

وله رمزيته الأمنية، وفي هذا اثبات على هشاشه الوضع الامني لهذه الدولة المسلحة القوية الغنية في مواجهة الفقراء الذين يملكون الإرادة والذين يستطيعون بصاروخ واحد او بعدد قليل من الصواريخ تحطيم منظومة الامن وتوابعها السياحية والاقتصادية، كما ان لها تأثيرها على تسويق الانتاج الحربي ومنظومات الصواريخ الاعتراضية والقبب الحديدية المصممة للدفاع الجوي والتي تبيعها (اسرائيل) لدول عديدة في العالم باعتبارها من افضل منظومات الدفاع الجوي ولكنها فشلت امام التجربة والامتحان اذ لم تستطع اعتراض الصواريخ اليمانية.

ولعل اول ما تبادر للذهن عندما سقطت صواريخ صنعاء واعلان عديد من شركات الطيران في العالم عن وقف رحلاتها الى فلسطين المحتلة، ان هذا الميناء الجوي على موعد قريب مع وصول دونالد ترامب في زيارته الى المنطقة، ردت تل ابيب على ذلك بقصف مطار صنعاء وتدميره، ولكن في رد غير متكافئ فمطار صنعاء شبه معطل ولا يؤثر على اليمن الذي يملك أعرق ثقافة مقاومة وصمود في 6000 سنة من التاريخ الواضح والجلي.

لم يأت مشروع الاتفاق وتصريح ترامب من دون مقدمات، ففي الوقت الذي كان رذاذ تصريحات ترامب بسحق اليمن و اليمنيين يتطاير، و يتحدث عن نظريته في تحقيق السلام عبر استخدام القوة التي لم تأتي له بنتائج، فاتخذ الرئيس الامريكي خطوة اولى على طريق الحوار مع اليمن و ذلك في آذار الماضي عندما قام بتعيين سفير امريكي جديد في الكويت و هو امير غالب ذو الاصول اليمنية و كلفه بفتح حوار مع صنعاء، و لم يكن ذلك مطروحا لو كان الامريكي قادر على تنفيذ تهديداته او لو ان اليمن ابدى ضعفا و خوفا من هدير التصريحات الامريكية، لا بل ترافق ذلك مع تسديد ضربات مؤثرة على حاملة الطائرات الامريكية هاري ترومان.

جاءت مفاجأة يوم الثلاثاء الماضي عندما أعلن رئيس الامريكي وبحضور رئيس الوزراء الكندي وبشكل لا علاقة له لا بكندا ولا بالضيف الزائر، ان الحوثيين قد أبلغوهم بأنهم سيتوقفون عن الحرب وعن تعطيل الملاحة في البحر الأحمر.

هذا الكلام جاء مترافقا مع شخصية ترامب المتعجرفة التي حاولت تصوير المسالة وكأنها هزيمة يمنية واستسلام واذعان امام جبروت ترامب ، فحسب ما قال ترامب ان الحوثيين قالوا : رجاء توقفوا عن قصفنا و نحن نعدكم بالتوقف عن اعتراض السفن بالبحر الاحمر فنحن لا نريد القتال، و هي اقوال لا  تستقيم لا مع العقل اليمني ولا مع الاخبار التي تؤيدها الدبلوماسية العمانية الوسيطة وهي المعروفة بالقدرة على الانجاز المترافق مع الكلام القليل، فبيان الخارجية العمانية المقتضب اكتفى بالقول ان طرفي الاتفاق لن يستهدفا بعضهما البعض في البحر الاحمر و مضيق باب المندب دون ادخال تل ابيب بالاتفاق، اما المفاوض اليمني محمد عبد السلام فقد اكد ان الامريكي هو من تقدم بالطلبات و بعث الرسائل عبر مسقط و بعد مقدمات يبدو انها مرتبطة بالسفير امير غالب .

اصابت هذه الاخبار (الاسرائيلي) بالتأتأة والتلعثم الذي لم يعرف بالخبر الا كما عرف المواطن ومتابع الاخبار عبر شاشات الفضائيات الامر الذي يشير الى ان واشنطن ورئيسها ترامب قد اخذ يتعامل مع (اسرائيل) بصفتها تابعا لا شريكا كما كان يتوهم بنيامين نتنياهو بانه من يحدد ويشارك في صنع السياسات الأمريكية بالشرق الاوسط. فأولويات واشنطن تسير بشكل امريكي بحت وتميل الى الوصول الى تسوية مع طهران دون اسقاط خيار المواجهة، فيما لا ترى تل ابيب من حل مع طهران الا الحرب التي لا تستطيع خوضها الا من خلف واشنطن.

في التقدير والتحليل لتصريحات ترامب فقد تكون طهران قد شاركت في الطلب من مسقط التوسط ما بين الأمريكان واليمن، خاصة وان التفجيرات التي شهدتها عدد من المدن الايرانية لن يكون وراؤها غير (اسرائيل) المعنية بإفشال المحادثات بين واشنطن وطهران، وبالطبع فان هذا ينسحب على الاشتباك اليمني مع دولة الاحتلال التي يروق لها ان لا ترى في اليمن بلد القوة والارادة المدعومة من الشعب اليمني والذي كان عصيا على كل من حاول الاقتراب من اليمن، وانما تحب ان تراها ذراعا تنفيذيا لطهران. وطهران ترى ان تخفيض التوتر مع الولايات المتحدة امرا من شانه تكذيب الرواية (الاسرائيلية).

صرح السيد محمد على الحوثي بعد تصريحات ترامب على ان اسناد غزة قائم ولن يتوقف، وفي اشارة للعدوان الاسرائيلي على مطار صنعاء قال بان ما رفضناه في غزة لن نسمح به في اليمن، المكتب السياسي «لأنصار الله» أصدر بيانا أكد فيه ان العدوان على اليمن لن يمر دون رد ولن يثني اليمن عن الاستمرار في دعم الشعب الفلسطيني الى ان يتوقف العدوان ويرفع الحصار.

امام تعدد الروايات ما هي الرواية الصحيحة؟ الرواية الصحيحة ان واشنطن هي من بادرت عبر سفيرها بالكويت بفتح الحوار، فيما عهدت الى مسقط بالسير في هذا الطريق ودون تكليف من صنعاء لخفض التوتر اليمني الامريكي، ولكن (اسرائيل) ليست طرفا في الاتفاق وخفض التصعيد لن يشملها.

 ترامب قادم الى المنطقة ويقول ان في جيبه مفاجاءات سارة، ومن الاكيد انها لن تكون سارة للبعض ومن المبكر ان نحدد من سينال المكافأة ومن سيكون الخاسر، وهل سيعوض (اسرائيل) بإعلان عن تطبيع علني بين الرياض او دمشق او كلتاهما مع تل ابيب؟ وهل المسرور هو الشعب الامريكي عندما يفرض ترامب على أصدقائه الابراهيميين بدفع تريليونات الدولارات؟ سنعرف ذلك خلال ايام ولكن ما نعرفه الان وحتى كتابة هذه السطور، ان اليمن لا زال على موقفه، فلا بد من صنعاء وان طال السفر، و ان خفت التوترات مؤقتا فإنها ستعود الى حالها طالما العدوان على غزة متواصل والحصار مستمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *