ثانيا: الأطماع الإسرائيلية في مياهنا – نهج استراتيجي طويل الأمد
منذ تأسيس الكيان المؤقت، عام 1948 شكلت السيطرة على مواردنا المائية جزءً من استراتيجيتها الجغرافية، حيث حاولت سنة 1964 من تحويل مياه نهر الأردن لتلبية حاجاتها الزراعية والصناعية، مما أدى الى تصعيد النزاعات مع بعض الدول العربية، اما في سنة 1978 ولغاية سنة 2000 خلال احتلالها للبنان استغلت إسرائيل موارد المياه بشكل غير شرعي، وغير أخلاقي، خاصة مياه نهر الليطاني والوزاني.
انطلاقاً من هنا يمكن ملاحظة البعد الإيديولوجي في رؤية إسرائيل للمياه تتجاوز الحاجات المادية حيث تعتبر جزء من مخططاتها التوسعية تحت مفهوم «إسرائيل الكبرى» وهو ما تحققه اليوم عبر احتلالها الكثير من المناطق المشرقية.
على الرغم من صغر حجمها، مقارنة بتركيا فان اطماعها المائية تأخذ طابعا استراتيجياً ممنهج يستهدف السيطرة على الموارد المائية في منطقتنا كجزء من سياستها التوسعية، فبعد احتلال الضفة الغربية ومرتفعات الجولان أصبحت إسرائيل تسيطر فعلياً على معظم مصادر المياه العذبة.
ونجحت في الهيمنة على حوالي 88 % من المياه الجوفية، بينما يُسمح للفلسطينيين باستخدام النسبة المتبقية فقط، ليس هذا فحسب، بل تعمد إسرائيل الى تقييد الفلسطينيين من حفر الآبار او تطوير شبكات مياه حديثة وتجبرهم على شراء المياه من شركة إسرائيلية (ميكوروت) بأسعار مرتفعة، ما يعزز سيطرتها على المياه كأداة ضغط سياسي واقتصادي.
ان الأطماع الإسرائيلية لا تتوقف عن كونها احتياجات مائية فقط، بل هي جزء من مشاريع هيمنة شاملة تستهدف إعادة تشكيل الواقع الديمغرافي والاقتصادي للمشرق.
ثالثاً: الأطماع التركية في مياهنا ـ سياسة الضغط المائي
تركيا بصفتها دولة المنبع لنهري دجلة والفرات، استخدمت تاريخياً موقعها الجغرافي كأداة للضغط السياسي والاقتصادي ويظهر ذلك على النحو التالي:
. مشروع جنوب شرق الاناضول او ما يعرف بال GAP Southeastern Anatolia Project
هو واحد من أكبر المشروعات التنموية، وقد تم اطلاقه خلال سبعينات القرن الماضي بهدف تطوير المناطق في جنوب شرق تركيا، لكن آثاره تجاوزت الحدود التركية لتؤثر بشكل كبير على سورية والعراق.
ويشمل المشروع 22 سداً على نهري دجلة والفرات وروافدهما، منها 19 محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية، مشاريع ري لتغطية 1.8 مليار هكتار من الأراضي الزراعية في جنوب شرق البلاد، وأبرز سدودها:
سد اتاتورك: والذي يعتبر من أكبر السدود في العالم حيث يمكنه تخزين حوالي 48 مليار م3
«ملاحظة قيل من قبل الجيولوجيين ان هذا السد كان سبباً بالزلزال الذي ضرب شرق سورية تاريخ 6/شباط/2023 والتي بلغت قوته آنذاك 7.8 درجات على مقياس رختر وذهب ضحيته حوالي ال 60 ألف مواطن.»
سد اليمسو: يقع على نهر دجلة، ويؤثر بشكل كبير على تدفقات المياه الى العراق وتشير بعض المصادر الى أن انخفاض تدفقات المياه على دجلة والفرات، تجاوزت 50 % في حين وصلت إلى التصّحر في مناطق أخرى، هذا يعني بشكل واضح، تهديداً للأمن الغذائي بمعنى أدق، إن هذا المشروع هو أداة للهيمنة الإقليمية والضغط على جيرانها.
نتيجة للبعد التاريخي، نرى كيف أن تركيا استخدمت موارد المياه على سورية والعراق نتيجة ضعف الدولتين خلال الازمات السياسية المتلاحقة.
الجدير ذكره، إن تعامل تركيا وإسرائيل بهذه الطريقة يتعارض مع القوانين الدولية، التي تؤكد على ضرورة التقاسم العادل للموارد المائية.
رابعاً: النقاط المشتركة في السياسات التركية ـ الإسرائيلية
أ ـ استغلال الموارد المائية كوسيلة للضغط والسيطرة، تتبع كل من إسرائيل وتركيا سياسة تقوم على حرمان دول المشرق من حصصها العادلة من الموارد المائية، ضاربة بعرض الحائط جميع القوانين والاتفاقات المنبثقة من الأمم المتحدة بهذا الخصوص.
ب ـ إصرارهما على اعتبار الأنهار المشتركة موارد سيادة متجاهلة الاتفاقات الدولية بهذا الشأن.
ج ـ تأثير تلك الأطماع على استقرار المشرق كله.
الدليل على ذلك هو حالة التوتر الدائم في المنطقة من جراء سلوكهما المعادي، والمعاناة التي يعانيها الناس من نقص حاد في المياه، مما ينذر بأزمة غذاء حتمًا وستكون تداعياتها خطيرة جداً على شعوب المشرق، خاصة في غياب سياسة التخطيط.
خامسّا: التوصيات
في ضوء غياب التخطيط، واستمرار إسرائيل وتركيا بالعدوان والسيطرة على الموارد المائية، والتهديد المباشر للأمن الغذائي نتقدم بالتوصيات التالية:
1 ـ تعزيز التعاون الإقليمي والدولي من خلال تفعيل الاتفاقات الدولية المتعلقة بتقاسم عادل للثروة وانشاء هيئات مشتركة لإدارة الأنهار تضم كل دول المشرق بهدف إدارة الأحواض المائية بشكل علمي سليم.
2 ـ وضع الخطط الاستراتيجية الوطنية لإدارة تلك الموارد مع الأخذ بعين الاعتبار النمّو الديموغرافي والتغيرات المناخية، من خلال تقليل الهدر المائي، تحلية المياه المالحة، واستغلال المياه الجوفية بطرق استراتيجية.
3 ـ مواجهة العدوان الإسرائيلي التركي باحتلالهما قسم كبير من المناطق والأراضي ووضع الأمم المتحدة امام مسؤوليتها القانونية تجاه تلك الاعمال العدوانية.
4 ـ دعم القطاع الزراعي، من خلال اعتماد تقنيات زراعية متطورة مع الاخذ بعين الاعتبار الى استخدام المياه في عملية الزراعة من خلال، التعليم، والتدريب، وتطوير شبكات تخزين المياه، وإقامة سدود صغيرة.
5 ـ مواجهة التغير المناخي، وتأثيره على الموارد المائية.
6 ـ زيادة الوعي المجتمعي من خلال إقامة الندوات واللقاءات.
في النهاية: نود ان نؤكد مجدداً أن المياه ليست مجرد عنصر طبيعي، بل هي كانت دائماً محور صراعات ونزاعات وسبباً في صعود الحضارة او سقوطها، حيث شكلت المياه خاصة العذبة والأنهار شرايين الحياة.
اليوم وفي ظل التحديات المتزايدة من احتلالات وتغير مناخي واقامة سدود مصطنعة جبارة يصبح تناول قضية المياه قضية مصيرية تستوجب التحرك بشكل طارئ.
وان الصراعات القائمة اليوم، تدعو ليس فقط الى التوثيق والتحليل، بل الى التحرك الفوري لإيجاد حلول مبتكرة.
بناءُ عليه آمل ان تشكل هذه الدراسة رسالة للمفكرين والباحثين وأصحاب الاختصاص إعطاء هذا الهّم الكبير نصيب في دراساتهم ومن زوايا مختلفة.
نجا حماده باحث في علم التاريخ
قائمة المصادر والمراجع:
1 ـ العابد، عبد الرزاق- المياه في الشرق الأوسط- دراسة في الجغرافية السياسية.
2 ـ شهاب، يوسف ـ الصراع على المياه في الشرق الأوسط ـ دراسة تاريخية وسياسية.
3 ـ بارلو، م وكلايبون، توني ـ الحروب المائية النزاعات المستقبلية على موارد المياه.
4 ـ اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام المجاري المائية الدولية غير الملاحية 1997
5 ـ قواعد هلسنكي بشأن استخدامات المياه المشتركة ـ 1966
6 ـ الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بالموارد المائية.
7 ـ تقارير البنك الدولي حول الموارد المائية في الشرق الأوسط.
8 ـ دراسة معهد القانون الدولي حول الأنهار العابرة للجحود.
9 ـ منشورات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات حول الامن المائي العربي.
10- اليكوت، جيفري ـ مشروع شرق الاناضول ـ التنمية والاطماع الإقليمية.
11- تقرير منظمة السلام الأخضر عن تأثير سدود تركيا على الدول المجاورة.
12 ـ خلف، فؤاد ـ الأنهار المشتركة في المشرق العربي ـ دراسة سياسية وقانونية.
13 ـ تقرير منظمة الأغذية والزراعة العالمية عن المياه والامن الغذائي.