لأن الكيان الصهيوني يقوم على الاحتلال والضم والقضم للأراضي في فلسطين ولبنان وسوريا، لم يتخل يوماً عن هذه السياسة التوسعية منذ نشوئه، ودائماً بحجة «الدفاع عن النفس» و«تأمين أمنه» وسواها من الحجج المضللة والكاذبة.
وهذا ما يحصل اليوم في هضبة الجولان المحتلة التي قام جيش الاحتلال مؤخراً باستيلائه على أعلى قمة في سوريا، قمة جبل الشيخ، رغم إصرار العدو الصهيوني على أن «احتلالها مؤقت». ومعروف أن كل «مؤقت» يصبح «دائماً» في السياسة والاستراتيجية الصهيونية.
رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، زعم بعد أيام من قصف «إسرائيل» لمئات الأهداف السورية والاستيلاء على المنطقة العازلة منزوعة السلاح «ليس لدينا أي نية للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا.. لكننا بالتأكيد نعتزم القيام بكل ما هو ضروري لرعاية أمننا». وزير حربه، إسرائيل كاتس من جهته، أمر في 13 من الشهر الجاري قوات جيشه «بالاستعداد للظروف القاسية للانتشار في فصل الشتاء. وبسبب التطورات في سوريا، من الأهمية الأمنية القصوى أن نحافظ على سيطرتنا على قمة جبل الشيخ». وكانت هذه القوات تقدمت إلى ما بعد قمة جبل الشيخ حتى منطقة بقاسم، على بعد حوالي 25 كيلومتراً من دمشق رغم نفي متحدث باسم جيش العدو أن تكون قواته «تتقدم نحو» دمشق.
وكان مدير «معهد القدس للاستراتيجية والأمن»، إفرايم عنبار قد أعلن عن جبل الشيخ هذا هو أعلى مكان في المنطقة، ويطل على لبنان وسوريا و«إسرائيل».. إنه أمر مهم للغاية من الناحية الاستراتيجية. لا يوجد بديل للجبال.
تقع قمة جبل الشيخ، في منطقة عازلة فصلت بين القوات «الإسرائيلية» والسورية لمدة خمسين عاماً حتى نهاية الأسبوع الماضي، عندما سيطرت عليها قوات العدو. وحتى يوم الثامن من الشهر الحالي، كانت القمة منزوعة السلاح وتحرسها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
تبلغ مساحة المنطقة التي ضمتها «إسرائيل» 1200 كلم مربعاً من مساحة سورية وتمثل 14 في المئة من مخزونها المائي قبل 4 حزيران 1967. كما أن الجولان هو مصدر ثلث مياه بحيرة طبريا التي تمثل مصدر المياه الأساسي للكيان الصهيوني وللأراضي الفلسطينية.
عدد قرى الجولان قبل الاحتلال بلغ 164 قرية و146 مزرعة. أما عدد القرى التي وقعت تحت الاحتلال فبلغ 137 قرية و112 مزرعة إضافة إلى القنيطرة. وبلغ عدد القرى التي بقيت بسكانها 6 قرى: مجدل شمس ومسعدة وبقعاتا وعين قنية والغجر وسحيتا (رحّل سكان سحيتا في ما بعد إلى قرية مسعدة لتبقى 5 قرى). ودمّر الاحتلال الإسرائيلي 131 قرية و112 مزرعة ومدينتين. كان عدد سكان الجولان قبل حرب حزيران 1967 نحو 154 ألف نسمة عاش 138 ألفاً منهم في المناطق الواقعة حالياً تحت الاحتلال، هجر أكثر من 131 ألف نسمة ودُمّرت قراهم ويبلغ عددهم حالياً قرابة 800 ألف نسمة ويعيشون في دمشق وضواحيها، وبقي 8 آلاف مواطن في القرى الخمس الباقية، ويبلغ عددهم حالياً 20 ألف نسمة. في 1974 أعادت «إسرائيل» مدينة القنيطرة لسوريا في إطار اتفاقية الهدنة، ولكن حتى الآن لم يتم ترميم المدينة.
أطماع «الإسرائيليين» بهضبة الجولان واضحة، ذلك أنهم يرون أهمية كبيرة في السيطرة عليها لما تتمتع به من موقع استراتيجي. فبمجرد الوقوف على سفح الهضبة، يمكن رؤية الشمال الشرقي من فلسطين المحتلة بالعين المجردة بفضل ارتفاعها النسبي. وكذلك الأمر بالنسبة لسورية، فالمرتفعات تكشف الأراضي السورية أيضاً حتى أطراف العاصمة دمشق. وكانت «إسرائيل» قد أقامت محطات إنذار عسكرية في المواقع الأكثر ارتفاعاً في شمالي الهضبة لمراقبة تحركات الجيش السوري.
تبلغ مساحة هضبة الجولان 1200 كيلومتراً مربعاً وتطل أيضاً على لبنان وتتاخم الأردن. ويعيش هناك أيضاً قرابة 31 ألف مستوطن إسرائيلي ويعمل كثير منهم بالزراعة والسياحة.
بالنسبة لمدينة القنيطرة، فقد كانت قبل حزيران 1967 المركز الإداري والتجاري لمنطقة الجولان. هُجِّر سكانها منها عند احتلالها من قبل «إسرائيل». بين 1967 و1973 استخدم جيش العدو المدينة كساحة لتدريبات قواته وأسكن الجنود في بعض مبانيها المهجورة. كانت محاولة فاشلة لاستيطان المدنيين الإسرائيليين في المدينة، ولكنهم انتقلوا إلى موقع آخر في الجولان. شن الجيش السوري هجمات صاروخية على المدينة، في إطار ما يسمى اليوم حرب الاستنزاف، لتشويش تدريبات القوات الإسرائيلية فيها، مما ألحق أضراراً ملموسة بمباني المدينة. في حرب أكتوبر نقلت المدينة من سيطرة القوات «الإسرائيلية» إلى القوات السورية، ثم أعاد جيش العدو احتلالها، فكانت تحت السيطرة «الإسرائيلية» في نهاية الحرب. في اتفاقية الهدنة، أي اتفاقية فض الاشتباك، التي وقع الجانبان عليها في 31 أيار 1974 بوساطة أمريكية، تقرر انسحاب جيش العدو من عمق الأراضي السورية إلى مواقعه قبل تشرين الأول 1973 باستثناء مدينة القنيطرة وبعض القرى المجاورة لها وهي: رويحينة، وبئرعجم، والمدارية، وبريقة وكودنة، التي تقرر إعادتها لسورية مقابل التزام سوري بإبعاد قوات الجيش السوري وراء شريط يخضع لمراقبة قوات هيئة الأمم المتحدة. تضم الاتفاقية بنداً يدعو إلى إعادة المدنيين السوريين إلى المناطق التي انسحبت «إسرائيل» منها، وينص ملحق أضيف إلى الاتفاقية على إرسال قوة خاصة للأمم المتحدة (UNDOF) لمراقبة الهدنة وتطبيق الجانبين للاتفاقية، وما تزال هذه القوة متواجدة في المنطقة منذ ذلك الوقت وحتى الآن، ويقوم مجلس الأمن بتمديد مهمتها مرة كل ستة أشهر.
مقاومة الاحتلال في هضبة الجولان تمثلت في تحرك في الرابع عشر من شباط عام 1982، حين قام السوريون في الجولان المحتل يإضراب عام وشامل ومفتوح رفضاً لفرض «الهوية الإسرائيلية» ولقرار الضم الباطل وللتأكيد على تمسكهم بهويتهم الوطنية ومواصلة نضالهم في مواجهة إجراءات الاحتلال التعسفية حتى تحرير الجولان والعودة إلى الوطن سورية.
الإضراب أدى إلى شلل كامل في مختلف المناطق وتزامن مع خروج مظاهرات عارمة، وسخرت قوات الاحتلال كل أدوات القمع والترهيب ضد أبناء الجولان وفرضت حصاراً عسكرياً شاملاً على قرى وبلدات الجولان ومنعت وصول المواد الغذائية إليها وقطعت الكهرباء عن الأهالي في محاولة للضغط عليهم وإجبارهم على إنهاء الإضراب والقبول بقوانينها.