معاداة السامية كأيديولوجيا إمبريالية – صهيونية

من تداعيات ملحمة غزة، الانتفاضات الطلابية التي شهدتها الجامعات الأمريكية وأطلقت العد العكسي لصداع استراتيجي في معقل الشقيق الأكبر لـمتروبولات اللصوصية الدولية الإمبريالية.

وانطلاقا من القاسم المشترك بين الرأسمالية وجوهرها الربوي اليهودي كما لاحظ سومبارت في كتابه (اليهودية والرأسمالية) وكذلك ماركس في كتابه (حول المسألة اليهودية) تقاطعت مخاوف الإمبرياليين مع مخاوف العائلات اليهودية البرجوازية، وتوحدت تحت العنوان المزيف “معاداة السامية” وقوانينه التي تجرّم أدنى نقد للثكنة الإجرامية الصهيونية في فلسطين المحتلة.

وليس مصادفة أن يقف خلف هذه الأكاذيب لوبيات صهيونية من عناوينها معهد “ميموري” الذي تأسس عام 1998 في قلب هذه الثكنة على يد ضابط استخبارات صهيوني سابق هو ايغال كرمون.

إلى ذلك، قانون معاداة السامية المقصود هنا هو القانون الامريكي لتعقب معاداة السامية عالمياً وقد صادق عليه الكونغرس الأمريكي ووقعه الرئيس الأمريكي الأسبق بوش، وقد ورد في حيثياته أن القانون صدر في ذلك الوقت بالذات مع ازدياد النشاطات والحركات المعادية للسامية، والتي لم تقتصر على الأوساط المتطرفة في العالم الإسلامي بل تعدتها إلى شخص مثل رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد وإلى المسلسل المصري فارس بلا جواد من بطولة محمد صبحي.

وأخطر ما في القانون كما أوضح الأستاذ الدكتور علي حامد غتيت من جامعة القاهرة ما ورد في النقطة رقم 10 من المادة الثانية التي تشمل الصهيونية و”إسرائيل” نفسها، وبحيث يصبح معادياً للسامية كل من ينتقد الحركة الصهيونية أو سياسات الإبادة والجرائم والاستيطان الإسرائيلية، ويرى الدكتور غتيت أيضاً أن القانون أشبه ما يكون بالتشريع الدولي الذي يتعامل مع بقية الدول كما لو أنها مجرد أقاليم تابعة للولايات المتحدة، عليها أن تكيف تشريعاتها المحلية وفقاً لمقتضياته.

وهو ما حدث فعلاً في أكثر من دولة وهيئة دولية، بل إن منظمة الأمن والتعاون الأوروبي انزلقت في (إعلان برلين) إلى المفهوم الأمريكي قبل أن تعدل موقفها بعض الشيء في إعلان بروكسل، وكان أسوأ تطبيق له في فرنسا التي تبنت الموقف الأمريكي مع تعديل طفيف لاستيعاب ردود فعل الجاليات العربية والإسلامية التي تعاني من حملات القوى العنصرية فيها.

ولا تقتصر خطورة القانون على الخلط الأمريكي بين معاداة السامية واختصارها في اليهود وشمولها للصهيونية وإسرائيل، بل تمتد أيضاً إلى الآليات التنفيذية وفق ما ورد في المواد 4 و6 من القانون التي تكلف الخارجية الأمريكية برصد معاداة السامية والصهيونية والسياسات الإسرائيلية وتضمينها ذلك في تقاريرها السنوية التي تناقش عادة بوصفها جزءاً من خطة العمل الحكومية التالية والتي تشمل عقوبات متنوعة ضد الدول المقصودة.

بقي أن نذكر بالإضافة لحماية السياسات العدوانية الإسرائيلية، أن السامية مفهوم توراتي غير علمي وغير تاريخي من اختراع شلوتسر وكذلك ولفنسون في كتابه (تاريخ اللغات السامية)، من جهة، ومن جهة أخرى يتعلق بالعرب أكثر مما يتعلق باليهود.

ولا تنتبه صحافة العدو ومن قبلها واشنطن إلى أن الوضع في الشرق العربي، وضع مقلوب تماماً قياساً بما كان عليه الحال في أوروبا خلال وبعد الحرب العالمية الثانية، بصرف النظر عن حجم المطاردة النازية لليهود.

ففي الحالة العربية، فإن الذي يكرر الدور النازي ليس العرب بل المنظمات اليهودية التي فاقت جرائمها الحالية والممتدة من دير ياسين إلى كفر قاسم إلى بحر البقر وقانا وصبرا وشاتيلا وأخيراً رفح وغزة، الجرائم النازية.

ولم يقتصر التقليد الصهيوني للنازية على الفظائع الدموية وحسب بل تعداها إلى الخطاب العرقي أيضاً وفلسفة تشمبرلين المشتقة من الداروينية الاجتماعية والتعامل مع الآخرين كغوييم لا يستحقون الحياة.

الأمر الآخر والذي سبق وكتبنا عنه أكثر من مرة هو أن العرب بكليتهم من الساميين حسب التصنيف التوراتي للأجناس، فيما ينتسب معظم اليهود (الاشكناز) إلى العرق الآري، الذي تذرعت به النازية.

وهو ما يعني أنه إذا كانت هناك حاجة لإصدار قانون ضد معاداة السامية، فمن المفترض أن يكون قانوناً ضد معاداة العرب، أي ضد المنظمات اليهودية.