الفراغ : كرسي بمقاعد كثيرة

لا يهدف  العنوان الظاهر للدلالة على الالية المتبعة باملاء الفراغ الرئاسي في الكيان اللبناني بواسطة مجلس الوزراء  مجتمعا، رغمان التوصيف يتطابق كليا مع هذه الحالة الشاذة .

بل القصد  ان النظام ليس محكوما بقيادة لها راس واحد  هو راس السلطة بل بتنين متعدد الرؤوس . هذا التنين هو ما يسمى بالديموقراطية التوافقية التي اعطت الحق لكل  الشرائح المتحاربة والمتصارعة حق النقض ولو كان هذا الاعتراض مدمرا للبلد ومؤسساته ومصالحه . المهم ان تبقى مصالح التنين مؤمنة وان يبقى التوازن القاتل سيد الموقف . والتنين هو هذا النظام الطوائفي القائم على حفظ حقوق الملل والنحل والمذاهب والطوائف وزعماء الزواريب ومسؤولي حواجز النهب المنظم والقتل على الهوية  ومتعهدي الخوات والمتنفذين بالاضافة الى المحظيين بدعم السفارات  والسفراء والقناصل . 

هذا النظام الذي وضعت اسسه في عام 1920 واستكمل بالميثاق الوطني عام 1943 عدًل  دستوريا وعرفيا مرات عدة  في الطائف والدوحة ، على قواعد تثبيت التنين وزيادة الشرخ بين الوطن والمواطن ، حتى بات اهل البلد رعايا و مرابعين  وازلام  ومحاسيب في دولة الاقطاع والمال .

الفراغ الرئاسي ليس جديدا في هذا النظام   الولاد للازمات ، والفراغ الحكومي ليس بجديد ايضا .بل هو القاعدة المشرعة دستورا عند تضارب مصالح الطوائف والمذاهب . 

قد يتسائل البعض هل هناك  اي اثبات دستوري اوقانوني للقول ان الفراغ مشرع ؟

ونرد بدورنا بتساؤل هل الثغرات الدستورية والقانونية التي سمحت بالفراغ لاكثر من مرة  يصعب تعديلها ؟ او انها وجدت خصيصا لبازار الطوائف والمذاهب والشخصيات المرتبطة بالاجندات الخارجية ؟ ونعدد  منها على سبيل المثال لا الحصر : – مهل تأليف الحكومة او الاعتذار . – مهل انتخاب رئيس للجمهورية والنصاب المطلوب .- حصرية تشكيل الحكومة ، والثلث المعطل الخ من الثغرات الكثيرة والمتعددة . ونستطيع ان نضيف اليها ايضا الاستنسابية في تطبيق اتفاق الطائف ومندرجات بنوده بحيث ينتفي الصراع على الحصص الطائفية في الوزارات ونتحول الى دولة المواطنة بدل دولة الرعايا. 

ومن حقنا ان نتساءل وبعد تجربة استقالات عدد من النواب في الدورة السابقة واستنادا للميثاقية والديموقراطية التوافقية هل هذا خيار مطروح للاجهاز على مجلس النواب لتكتمل حلقة الفراغ ؟ وهل هناك نوايا مبيتة ، او تعليمات وتوجيهات خاصة بهذا الشأن لتحقيق رغبات دول كبرى تسعى الى مؤتمر تأسيسي؟ ربما الاجتماع الجهيض في السفارة السويسرية ومن وراء هذه الدعوة يحاول ان يطلق رصاصة الرحمة على اتفاق الطائف ليعيد صياغة النظام بما يتلائم مع خططه ومصالحه .

من المؤكد ان اتفاق الطائف مصنوع على قياس امراء الحرب ويلبي رغبات المجموعات الطائفية الا ان الدعوة الى مؤتمر تأسيسي في هذا التوقيت مشبوه ، وبالتأكيد ايضا لن ينتج هذا المؤتمر حالة وطنية ولا اساسا لدولة موحدة ذات استقلالية وسيادة .  فمن يقف وراء انعقاده اظهر براعته في وضع الدستور العراقي ، واظهر ايضا نواياه المبيته في مشروع المنطقة الامنة في لبنان على غرار المنطقة الخضراء في العراق . 

ان هذه الايادي القذرة ومن يقف وراءها ويسير خلفها يدرك تماما بفعلته الهدف التي يسعى اليه العدو وهو منع الكيان  اللبناني من التنقيب واستخراج الثروة الغازية والنفطية ليبقى اسير الحصار والانهيار . وان يبقى شعبه رهين المكرمات وفتات العطيات من الدول المانحة ، وان يبقى البلد ملزما بقرارات البنك الدولي وصندوق النقد ومن يحركهما .

واخيرا سيبقى الفراغ سيد الموقف ما دمنا نسعى لكرسي بمقاعد كثيرة.